بعد مرور خمس سنوات على الأزمة المالية العالمية، لا تزال الاقتصادات العالمية تبذل محاولات للخروج من التداعيات التي لحقت بها، فالاقتصاد الأميركي يكافح للتعافي مع معدلات البطالة العالية، والقطاع العقاري يتحسن ببطء. أما اليابان فتواجه مشاكل أقدم ومن غير الواضح ما إذا كانت ستعود للنمو بعد عقدين من عدم إحراز أي نمو. وتعاني منطقة اليورو مشاكل أكبر، حيث تشهد تغييرات هيكلية في اقتصادها من طريق خفض قيمة العملة داخلياً. وأطلقت هذه الاقتصادات الثلاثة التي تعادل مجتمعة حوالى نصف الاقتصاد العالمي، سياسات نقدية متساهلة على أمل تخطي عواقب الأزمة المالية. وإضافة إلى هذه الدول، تعاني اقتصادات آسيا الناشئة التي تمثل 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي الصيني من معدل يفوق 10 في المئة إلى حوالى 7.6 في المئة، وانخفض المعدل في الهند من 9.4 في المئة إلى 4.4 في المئة، وشهدت بقية دول المنطقة حركات مشابهة، مع بعض الاستثناءات. ويشير تقرير أصدرته شركة «آسيا للاستثمار» المختصة في الاستثمار في الأسواق الآسيوية الناشئة، إلى أن التبادل التجاري يشكّل جزءاً كبيراً من اقتصادات آسيا الناشئة، إذ يعادل حوالى ثلث الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة. ووفق كاتب التقرير، الخبير الاقتصادي كميل عقاد «عندما تتباطأ التجارة في المنطقة، تتأثر اقتصاداتها في شكل أكبر من حجم التباطؤ التجاري، فمنذ ارتفاعها إلى أعلى مستوى في بداية عام 2010، بدأت التجارة في آسيا الناشئة، بالتباطؤ بسبب التراجع في الطلب من مجموعة الثلاث أولاً (أميركا واليايان ومنطقة اليورو)، بالتالي من آسيا». ويؤكد التقرير أن سنغافورةوهونغ كونغ هما أكبر منفذين تجاريين للمنطقة، إذ تستحوذان على أكثر من ثلث التجارة الإجمالية للمنطقة. وغالبية السلع المتبادلة تجارياً هي سلع مُعاد تصديرها، وتبلغ نسبتها 99 في المئة من السلع في هونغ كونغ، و48 في المئة في سنغافورة. ولأن هذه السلع تُصدّر إلى كل أقطار العالم، يمكن اعتبار مستويات التبادل التجاري في هونغ كونغوسنغافورة مؤشرات لقوة الطلب العالمي، ومتانة البيئة الاقتصادية العالمية. وبعد أن بلغ التبادل التجاري فيها ذروته في آذار (مارس) 2010 بمعدل نمو يبلغ 35 في المئة على أساس سنوي، بدأت هذه المراكز التجارية بالتباطؤ في شكل ملحوظ. ويشير إلى أن حركة الصادرات دخلت في ركود بين الربع الثالث من 2012 والربع الأول من هذه السنة. إلا أن التبادل التجاري في آسيا الناشئة يظهر إشارات للتعافي. ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2013 قفز نمو صادرات هونغ كونغوسنغافورة إلى أعلى معدلاته خلال 20 شهراً، ليصل إلى 8.7 في المئة على أساس سنوي. وعلى رغم حساسية بيانات التبادل التجاري، إلا أن متوسط البيانات لثلاثة أشهر يبين تغييراً في حركة النمو. وأطلق «صندوق النقد الدولي» بيانات الناتج المحلي الإجمالي العالمي للربع الأول فقط من العام الحالي، ومع هذه التطورات يُرجّح أن يكون الاقتصاد العالمي تعافى خلال هذه السنة. ويسأل التقرير «هل وصلنا أخيراً إلى بداية التعافي العالمي الكامل والعودة لنمو ما قبل الأزمة، أم إن هذا الارتفاع ليس إلا موجة ارتفاع صناعية من جانب البنوك المركزية؟». وجاء في التقرير «ليس هناك شك بأن الطلب العالمي شهد فعلاً تطورات دعمها انخفاض أسعار الفائدة في مجموعة الثلاث. وتحسنت المشاعر في أيلول، كما تبين الاستفتاءات ومؤشرات الثقة، مثل مؤشر مديري المشتريات في منطقة اليورو، ومؤشر ثقة المستهلك في الولاياتالمتحدة. وحتى أسواق الأسهم في الولاياتالمتحدة بلغت أعلى مستوياتها والتداول الآن عند مستويات أعلى بمعدل 20 في المئة قياساً إلى مطلع السنة، إلا أن الأساسات لم تتغير». وتابع: «أما منطقة اليورو فلا تزال بطيئة التعافي، لكن سوق الأسهم فيها شهدت ارتفاعاً نسبته 15 في المئة على أساس سنوي، ما يشير إلى أن الأداء الإيجابي مدفوع بالسيولة التي يتم ضخها. وجاءت المشاعر الإيجابية نتيجة تأكيد مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي على عدم وجود نية لخفض السيولة التي يضخها شهرياً في هذا العام. لكن، لم يتغير شيء اقتصادياً، وإدراك هذا الأمر كان السبب في تدهور مشاعر المتعاملين في الاقتصاد خلال الشهرين الماضيين». وخلص التقرير إلى أن «هدف السيولة التي ضُخت خلال العامين السابقين كان تعزيز النمو، إلا أنها جنبت فقط دول مجموعة الثلاث التداعي، ويتضح حالياً في الأسواق المالية نشوء فقاعة اقتصادية، ما يظهر من الفجوة المتزايدة بين عائدات الملكيات ونمو الناتج المحلي الإجمالي». ولفت إلى أن «أسواق الأسهم في دول مجموعة الثلاث هي الأكثر عرضة للتداعي، والسبب الأرجح هو الانخفاض الحتمي في الحوافز الأميركية. وعلى صعيد إيجابي، أسواق آسيا الناشئة أصبحت في وضع أفضل، وأسواق الأسهم تشهد تداولات على مستويات أكثر واقعية، ولا تحصل فيها أية إضافات سيولة كبيرة، ويُتوقع أن تكون التعديلات بين الأسهم والاقتصاد أسهل».