تحليق لم يخفق، فكل شيء جرى على ما يرام. فنحن مدفوعون إلى المستقبل، فالحاضر غير محتمل، وجاءت تبحث عن جواب حاسم فقال بصوت واهن: هذا الائتلاف الصاخب بعث فيّ شعوراً بالضيق، قالت: لِمَ تنظر إلى نفسك؟ ستصاب بالدهشة ويمزقك الغضب عندما أرحل. الجاوية غرزت أصابعها في كوم الأوراق المبعثرة في ممر الحديقة، وهمهمت «أخطأت باستسلامي للريبة بعدما حققت الهدف»، ولما رأته يحمل كأسي الآيسكريم تلفتت حولها وقالت: لن أستسلم لأية حالة مؤذية طالما أنا واثقة من حبه. العتبة انقبض قلبها بعد سلب الأوهام الفاتنة شخصيتها، فعبرت عينيها سحابة حزن تعرف كيف تسكن غضبه، في حين أنها بتهربها تثير غيضه، مع إدراكها كعتبة سيعثر عليها متجاوزاً أزمة النقص التي خلقها انكساره. وشم لما شاهدت زميلتها في العمل الوشم الجديد الذي على بطنها، قالت: لقد رسمته على ذراعيّ من أجله منذ سنتين، وكنت أنتظر دورك يحل بقلق. شجن لما لوّح لها بكفه لم تتوقف، أوقف السيارة في مواقف المركز التجاري، وجدها تنتظره بالمقهى، وعندما خلص من شرح سبب تأخره، تنبه والنادل يطلب قيمة القهوة، أن لا أحد يجلس معه. إشراق توقفت عن السؤال عن والدها الغائب. ولما اجتازت الثانوية وفي قمة النشوة، أرتها والدتها صورة والدها، كان سائق الحافلة الذي يقلها إلى المدرسة. نخاسة بابتسامة منهكة تناولت أجرتها وغادرت الغرفة، وهي تركب السيارة أخرجت من فتحة صدرها النقود، وسلمتها للسائق الذي لم ينبس بكلمة. ألق إنني ذاهبة. ولبست عباءتها. اليوم جاءت تميز حزنها عن الباقين، لما رنّ جرس هاتفها قالت: جاء، وهي تفتح باب السيارة همست إنه ابنك، فتذكرت أنها قالت: «حينما لا يلوث الظل خطواتنا نميز هالة الليل»، واختفت. * قاص سعودي.