تبدأ اليوم لجنة الخمسين المكلفة تعديل الدستور المصري الذي عطله الجيش عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، التصويت على مواده في جلسات علنية تنتهي بعد غدٍ، تمهيداً لتسليمه إلى الرئيس الموقت عدلي منصور لدعوة الناخبين إلى استفتاء عليه. وأفيد بأن اللجنة ستبدأ بإقرار ديباجة الدستور التي أثارت اعتراض حزب «النور» السلفي، قبل أن تبدأ تمرير كل مادة على حدة بتصويت 75 في المئة من أعضاء اللجنة. وظهر من المسودة النهائية التي سيتم الاقتراع عليها اليوم أن اللجنة وسعت من إطلاق الحريات العامة، لكن مشروع الدستور عكس التوازنات على الساحة عقب إزاحة حكم جماعة «الإخوان المسلمين»، إذ تركزت التعديلات على تخفيف المواد التي أضفت على الدستور المعطل طابعاً دينياً، عبر تبني تفسير أقل إثارة للجدل لمبادئ الشريعة التي تستند إليها مرجعية التشريع، إضافة إلى استبعاد أخذ رأي الأزهر في المسائل المتعلقة بالشريعة، كما أنها وضعت نصاً يحظر إقامة أحزاب على أساس ديني، وألزمت الدولة بالمساواة بين المرأة والرجل، وكلها أمور أثارت اعتراض حزب «النور»، لكن اعتراضاته لقيت تجاهلاً نسبياً، وإن تنازلت اللجنة عن وصف مصر بأنها دولة مدنية في ديباجة الدستور. في المقابل، وسّع مشروع الدستور صلاحيات الجيش، فإضافة إلى سرية الموازنة العسكرية، وهو ما كان معمولاً به في الدستور المعطل، أعطي المجلس العسكري السلطة الأعلى في تعيين وزير الدفاع، كما حافظ مشروع الدستور على إتاحة محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وهو ما أثار غضب ناشطين وقوى سياسية. أما في ما يتعلق بالنظام السياسي، فلم تدخل عليه تعديلات جوهرية، باستثناء إلغاء مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) والتوسع قليلاً في صلاحيات الرئيس على حساب رئيس الوزراء والبرلمان. ويمثل الاستفتاء على الدستور المتوقع مطلع العام المقبل، استفتاء أيضاً على خريطة الطريق التي كان وضعها الجيش بعد عزل مرسي والتي يفترض أن تتوج بانتخابات برلمانية في ربيع العام المقبل تعقبها انتخابات رئاسية في الصيف. ويزيد تعقيد هذا التحدي اتجاه حزب «النور» إلى دعوة أنصاره إلى رفض الدستور بعد اجتماع لهيئته العليا اليوم. وقال ل «الحياة» القيادي في الحزب نادر بكار: «ما زلنا نجري مناقشات في شأن البنود التي نتحفظ عنها في الدستور. سنعقد اجتماعاً (اليوم) لحسم موقفنا النهائي من الدستور». وكانت جماعة «الإخوان» وحلفاؤها أطلقت قبل فترة حملات لحشد الناخبين للتصويت ضد الدستور. ورأت «الجماعة الإسلامية» في بيان أمس أن «سلطة الانقلاب في عداء مع المشروع الإسلامي وتتخوف من مجرد المناداة بتهيئة أوضاع المجتمع لتطبيق الشريعة الإسلامية وتقنينها». وأشارت إلى أن «ما انتهت إليه لجنة تعديل الدستور أثبت صحة ذلك بعدما تم حذف المادة 219 في دستور 2012 والمفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية بل وحذف أية إشارة تفسيرية إلى المبادئ في صلب الدستور أو ديباجته مع الاكتفاء بتفسير المحكمة الدستورية المعيب بعد ضغوط شرسة قادها الأنبا بولا وممثلو الكنائس وتهديدهم بالانسحاب من اللجنة». ورأت أن «ما انتهت إليه لجنة الخمسين غير الشرعية من صياغات لمواد الدستور وأقصائها لمواد الشريعة والهوية لا يعمق حال الانقسام والاستقطاب السياسي ويزيد من حدة الاحتقان الديني والطائفي فحسب، بل يتنافى ويتعارض مع ما استقرت عليه القيم والمبادئ الديموقراطية التي تنادي بأن تعكس الدساتير والقوانين توجهات وعقائد وأفكار الغالبية مع وجوب احترام حقوق الأقلية، إذ تؤمن غالبية الشعب المصري بضرورة ووجوب تطبيق الشريعة وتهيئة المجتمع بتقنينها. لكن لجنة الخمسين ما زالت تصر أن تقهر الأقلية إرادة الغالبية وتعلوها».