بعد ساعتين من بداية اللعبة، تحكم رهف حصارها على ملك اللاعبة القطرية أماني السليطي، وبصوت واثق وشعور بنشوة الانتصار، تقول: «مات الملك». وبهذا الانتصار تصبح اللاعبة الدولية رهف الفقيه (13 عاماً)، أول وأصغر لاعبة فلسطينية في تاريخ الشطرنج الفلسطيني تحصل على لقب دولي «wcm» في أولمبياد العالم للشطرنج، الذي أقيم في النرويج عام 2013. ملكات صغيرات تسيّدن بطولات الشطرنج المحلية سنوات، وبدأت أحلام مدربهن ضياء الفقيه تحجز مكاناً لها في الواقع، فالأخوات الأربع رهف ويارا وأسيل ونادين، من قرية قطنة، شمال غرب مدينة القدس، بدأن بتعلم الشطرنج في مدرسة القرية. ويقول ضياء الفقيه: «الشطرنج رياضة فكرية تعتمد على العقل، وما شدني ودفعني إلى الاستمرار والمثابرة على تحقيق أهدافي هو الذكاء الذي رأيته في مجموعة من الطالبات اللواتي أظهرن قدرتهن على التعلم السريع، وبدا عليهن الاستمتاع الكبير أثناء التدريب». المشاركة في البطولات بعد حوالي 9 شهور من التدريب المستمر، وكخطوة أولى، شارك الفقيه مع سبع لاعبات في بطولة محلية للشطرنج أُقيمت في قرية عزون، في قلقيلية، وحصلن فيها على نتائج أبهرته، وعلى المركز الأول على الفئات العمرية 10، 12 و14 عاماً. وكانت هذه النتائج الدرجة الأولى في سلّم مشوارهن الطويل في عالم الشطرنج. وفي السنة الثانية شاركت 15 لاعبة في بطولة فلسطين للفئات العمرية، وحصلن على المركز الأول في فئات 10، 12، 14 و16 عاماً. وبعد هذه النتائج الكبيرة التي حققتها اللاعبات، بدأ الفقيه يفكر في تكثيف تدريبهن، ليجعلهن قادرت على المشاركة والمنافسة في بطولات خارج فلسطين، فكانت أول مشاركة خارجية في الأردن عام 2010، في بطولة الفئات العمرية من 16 – 20، ولكونها التجربة الأولى خارج الديار كانت النتائج متواضعة. بعد ذلك شاركت اللاعبات في بطولة فلسطين الفردية، التي كانت حكراً على الرجال، وهي مفتوحة لكل الأعمار، وكان ترتيبهن 15 من 104 لاعبين مشاركين فيها. وعام 2012 شاركت يارا في أولمبياد الشطرنج العالمي في تركيا، وكانت أصغر لاعبة تمثل دولتها، وحصلت على 3 نقاط من 7 جولات، وكانت بحاجة إلى نصف نقطة لتحصل على لقب دولي «wcm». وبعد ذلك شاركت اللاعبة رهف الفقيه في بطولة العرب للفئات العمرية في الأردن، وحصلت على المركز الثالث على مستوى العالم العربي، بعد فوزها على بطلة مصر وأفريقيا. وبهذه النتائج، تقدمت اللاعبات بترتيب فلسطين العالمي في رياضة الشطرنج من المركز 123 إلى 103 على العالم. رسالة تتعدد طرق اللاعبات على رقعة الشطرنج، فيما تتشابه الرسائل التي يعملن على إيصالها أينما ذهبن، فبثوب فلسطيني وحطة سوداء وعيون متحدية وأمل لا شفاء منه، أوصلت اللاعبات اسم فلسطين واسم قريتهن قطنة إلى العالمية. تقول رهف الفقيه: «كلي فخر بأن أكون لاعبة شطرنج في منتخب فلسطين للسيدات، وأحاول إيصال رسالة كل فلسطيني من خلال أسلوبي في الدفاع عن مملكتي على رقعة الشطرنج، فأنا ألعب للسلام لأحافظ على مملكتي، لكنني في الوقت نفسه إذا واجهت حركات عنيفة من خصمي أردّ عليها دفاعاً بحركات أعنف»، مشيرة إلى أنها «تعكس الواقع الفلسطيني من خلال أسلوبها وتكتيكها». وتقول يارا الفقيه (16 عاماً): «طموحي أن أكون على قدر المسؤولية، وأمثل اسم فلسطين أفضل تمثيل، وأحصل على العديد من الألقاب، والتحدي الأكبر بالنسبة إلي أن أحصل على المركز الأول في بطولة العرب، ثم الوصول إلى العالمية لأكون أول بطلة عالم فلسطينية في الشطرنج». وعلى عكس أختها رهف، تعتبر يارا أن لعبة الشطرنج هي لعبة حرب، لذلك تستخدم تكتيك الهجوم قبل الخصم؛ في حين تعتبر أسيل الفقيه (17 عاماً) أن لعبة الشطرنج تدفع بها «في ساحة حرب ضروس، وأتقمص شخصية الملك، لأدافع عن نفسي وأرضي»، مشيرة إلى أنها تريد أن تبثت لكل العالم قدراتها كلاعبة شطرنج فلسطينية. وتطالب اللاعبات المسؤولين بأن يدعموا رياضة الشطرنج مادياً، فيطمحن بمقرّ دائم لاتحاد الشطرنج، ليتدربن فيه، بالإضافة الى مدرب دولي، كي يتطوّرن أكثر، وتصبح لديهن خبرة أكبر بالخطط والأساليب الخاصة بالافتتاحيات. ويعلل أمين سرّ اتحاد الشطرنج الفلسطيني خالد عزالدين من جهته، عدم وجود مقر للاتحاد وعدم القدرة على استقدام مدربين دوليين، بأن ميزانية اتحاد الشطرنج منذ عام 2010 «صفر شيكل»، مشيراً إلى أن الاتحاد «لم يتلق شيكلاً واحداً من أي جهة حكومية أو خاصة». ويتابع عزالدين: «بعد النتائج الكبيرة التي حققها الاتحاد بفضل لاعبيه، لو أن هناك مؤسسات تقدر الرياضة الفلسطينية، لما كان وضع الشطرنج في فلسطين بهذه الصورة، فنحن لا نملك غرفة واحدة لنجتمع فيها، تكون عنواناً للاعبي الشطرنج الفلسطيني».