اختار منصور عازار عنواناً لمذكراته من التراث القومي الاجتماعي، الذي كان يشدد على التحية الحزبية المحددة بزاوية كاملة، والتي كان الزعيم انطون سعادة يصرّ على أهمية أدائها بهدف ترسيخ التعاون بين الرفاق، علماً أن خصومه الكتائبيين، اتهموه بتقليد النازيين الذين استعملوا التحية ذاتها. يلاحظ القارئ على الفور أن المؤلف منصور عازار، وضع كتابه على عجل، معترفاً في المقدمة، بأنه مستعد لمصافحة الموت. ويبدو أنه شعر بثقل المرض الذي أيقظه فجأة، فإذا به يجمع أوراقه في كتاب قسمه الى أربعة أجزاء: الجزء الأول يتحدث فيه عن انتسابه الى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وتأثير أفكار انطون سعادة فيه، خصوصاً أنه كان ينتمي الى المدرسة العلمانية المؤمنة بفصل الدولة عن الدين، واعترف بأن الانتماء الى مثل هذا الحزب كان يعتبر خطيئة مميتة في ظل المناخ السياسي المهيمن في تلك المرحلة. وقبل أن يستدعيه للتأنيب والتهديد بالطرد من «معهد الحكمة»، الرئيس الأب يوحنا مارون، تحدث منصور عن أول خلية حزبية في المتن، وكيف جذبت اليها مجموعة من الموارنة بينهم: انطوان ناكوزي ويوسف حنا وجورج نصار وجوزف خوري وجورج مصروعة وميشال فضول. وفي الفصل الأول، أعطى المؤلف نبذة عن فكر انطون سعادة، وكيف أنه في كتابه: «الاسلام في رسالتيه، المسيحية والمحمدية» برهن على أن الدولة في الاسلام لم تكن شرطاً لاقامة الدين، ورفض سعادة التبعية للغرب والاستتباع للشرق. في فصلين آخرين يتحدث عازار عن انعكاس الوضعين الدولي والاقليمي، على الجسم الطلابي في الجامعات، وعلى خيبة الأمل التي أحدثتها عملية اعدام سعادة. عن هجرته الى افريقيا، يخصص الكاتب فصلين لتغطية أخبار الهجرة والمهاجرين، حيث نجح عازار التاجر في التغلب على الصعوبات التي واجهته، ولكنه ظل، مثل جميع المغتربين في افريقيا، يحن الى لبنان، الوطن الذي غادره يافعاً، وتمنى أن يتقاعد فيه مسناً. كتب نصري الصايغ مقدمة هذه المذكرات، ورسم صورة حية عن شخصية منصور عازار... المجاهد أبداً، والمتفائل دائماً، والرافض أن يعترف بالفشل وهو في أسوأ أحواله المالية والصحية. وعرّج على الأيام التي أصدر فيها منصور مجلة «المنبر» في باريس، وكيف كان ينفث روح الحمية في منشورة تعاني عجزاً مالياً متواصلاً. الفصل الأخير من مذكرات عازار، يضم مجموعة مقالات نشرها في مجلة «تحولات» واختار منها ما يعكس تفكيره في الثوابت المتعلقة بفلسطين والمقاومة والصهيونية وعقيدته القومية. ومن المؤكد أن هذا الاختيار جاء مثالاً لقناعاته في الصبر والصمود ومتابعة النضال، ولكنه في الوقت ذاته كان يرثي الحال التي وصل اليها لبنان، البلد الذي صدّر الى العالم العربي أهم الأفكار السياسية، ولكنه غرق منذ سنة 1975 في لجة الطائفية والمذهبية والأنانية والشخصانية والارتهان الى الخارج. أن العجالة التي أنتجت مذكرات منصور عازار - ابن بلدة بيت الشعار في المتن الشمالي - ما كانت لتظهر بهذا الضمور لولا أنها لم تكتب تحت وطأة الخوف من رحيل غير متوقع. وبما أن العاصفة الصحية مرت بسلام، قد يكون المطلوب من صاحب المذكرات أن يعيد كتابتها بتأنٍ وإسهاب بحيث تأتي كما يريد، أو كما يتمنى معارفه أن تكون، ذلك أن منصور عازار - المتعدد المواهب - يجب ألا يكون مقلاً اثناء مراجعة أهم مرحلة من تاريخ لبنان والمنطقة.