تابعت الأسبوع الماضي قصة السيدة التي تعرضت لضرب مبرح على يد زوجها وصل به إلى «قضم» أنفها، فلجأت إلى الدفاع عن نفسها من طريق ضربه بالسكين في كتفه اليمنى. وبحسب روايتها فقد تعرضت للضرب مرات عدة احتاجت بعدها إلى العلاج، وفي إطار عائلي أٌخذ تعهد خطي على الزوج بعدم التعرض لها، ومع ذلك وقعت الحادثة الأخيرة وتطلب علاجها خمسة أسابيع. لا تختلف تجربة هذه السيدة عن غيرها من المعنفات اللاتي تعرضن للإيذاء البدني لأكثر من مرة على يد الزوج، قبل أن تصل قضاياهن إلى المستشفيات، وأقسام الشرطة، وأحياناً الإعلام. قبل أكثر من 10 سنوات سألت إحداهن حين كانت ترقد على سرير المستشفى تحاول التعافي من اعتداء زوجها عليها بالضرب للمرة الثالثة، لماذا سكتِ؟ كان خوفها على الأبناء، وأملها في استمرار الحياة مبرراً كافياً لها، ولكل امرأة أسبابها ومبرراتها التي تدفعها أو تضطرها إلى التعايش مع الإيذاء البدني. كثيراً ما يُطرح السؤال: هل عجز المرأة أو ضعفها تسبب في إيذائها، أم أنه جاء كنتيجة للإيذاء؟ لماذا تسكت المرأة على العنف والإيذاء البدني؟ لماذا تشعر بالعجز عن تغيير واقعها؟ هل يمكن أن نسمي هذه الحالة بما يعرف في علم النفس ب «Battered Woman Syndrome» ويمكن أن يترجم ب (متلازمة المرأة المعنفة)؟ وهو مفهوم، في أحد تعريفاته البسيطة، يصف أعراضاً سلوكية ونفسية كالخوف والشعور بالعجز وغيرهما نتيجة تعرض المرأة للعنف البدني من الزوج ولفترات طويلة. أسباب معقدة ومتشابكة تؤثرعلى قرارات المرأة المُعنفة وتسهم في حالة الضعف أو العجز التي تشعر بها، ولقد رأت دراسات أن بعضها يعود إلى التنشئة الاجتماعية. ففي ثقافتنا كثيراً ما تنشأ الأنثى على أنها أضعف من الذكر ولا تقوى على مواجهته، وعليها أن تذعن وتتفادى غضبه حتى لا يسيء استخدام قوته معها، كما تسمح ثقافتنا في كثير من الأحيان بضرب الزوج لزوجته، وإن أدانته في أحيان أخرى، لا بد أن يأتي السؤال وماذا فَعَلتِ ليضربك؟ وما زال البعض يعتبر العنف البدني من «القضايا العائلية» التي يجب أن تحل في نطاق أسري، وما زال الخوف من العيب والفضيحة وتشويه اسم العائلة يحكم الكثيرات من النساء. وتختلف التفسيرات النفسية لأسباب قبول أو تحمل المرأة للإيذاء البدني، فآراء تلوم المرأة وترى أن ضعفها ورضوخها يسهمان في استمرار تعرضها للعنف والإيذاء البدني لأنهما يشجعان المُعنف على التمادي، وأحياناً تحمل المرأة نفسها مسؤولية وقوع العنف عليها، وأنها هي المسؤولة عن استقرار الأسرة، وبالتالي تعتقد أن من مسؤوليتها منع أي اعتداء جديد. بعض النساء يشعرن بالخوف من التغيير، ومن المستقبل، وقد تسبب لهن هذه المخاوف قلقاً أكبر من فكرة التعرض للإيذاء البدني من جديد. ويلعب الاعتماد المادي على الزوج دوراً رئيساً في تقبل المرأة لهذا العنف والتعايش معه. فإلى أين تذهب بعد الطلاق؟ ومن سينفق عليها؟ وتبقى فكرة فقدان الأبناء من أهم المخاوف التي تجبر المرأة على الاستسلام وقبولها بواقعها مهما كان قاسياً. فلا تقبل كل الأسر أو تقدر على رعاية بناتها المطلقات وأبنائهن! وبمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي صادف 25 تشرين الثاني (نوفمبر)، لابد أن نتساءل كيف يمكن أن نساعد المرأة المستسلمة للعنف بأن تضع حداً لمخاوفها وتكسر حاجز الخوف وتتغلب على حالة العجز؟ فالخطوة الأولى للتخلص من العنف، وإن كانت صعبة، تأتي من رفض المرأة نفسها لهذا العنف وعدم قبولها به. فما الذي يمكن أن يوفر لها الأمان ويضمن لها حياة أكثر إنصافاً واستقراراً تشجعها على قول «قِف» بكل جرأة؟ [email protected]