تعيش مدينة شفاعمرو العربية في الجليل (شمال إسرائيل) أجواء توتر قبل ساعات من نطق محكمة إسرائيلية بالحكم بحق ستة من شبان المدينة بتهمة التسبب في مقتل الإرهابي المستوطن ناتان زادة، الذي ارتكب مجزرة بحق أهالي المدينة في حافلة للركاب، عام 2005، أودت بحياة أربعة من أبناء المدينة قبل أن يُقتل على يد حشود هبت إلى موقع الحادثة ومنعته من مواصلة المجزرة. وكانت النيابة العامة طلبت قبل شهر من المحكمة إنزال عقوبة بالسجن تتراوح بين أربع وتسع سنوات على كل من الشبان الستة الذين سبق للمحكمة أن دانتهم بتهمة التسبب في القتل غير العمد للإرهابي، بينما طالب محامو الدفاع بتبرئة ساحتهم في غياب أدلة قاطعة تدينهم وحيال حقيقة أن مقتل الإرهابي زاده أوقف شلال دم أوسع. وكان زاده غادر، بلباس جندي (قيل إنه فار من الجيش) مستوطنته «تبواح» في الضفة الغربيةالمحتلة واستقل حافلة ركاب كانت متجهة لمدينة شفاعمرو بهدف ارتكاب جريمة قتل عرب. وما إن وصلت الحافلة إلى مدخل المدينة حتى بادر إلى إطلاق الرصاص العشوائي على جميع من في الحافلة، بدءاً من السائق فأرداه قتيلاً ثم قتل فتاتين شقيقتين وشاباً آخر وأصاب عدداً كبيراً بجروح. وإذ فرغت ذخيرته وقبل أن ينجح في حشو ذخيرة جديدة سيطر عليه أحد ركاب الحافلة ومنعه من ذلك، حتى حضرت الشرطة وكبلت يديه لكنها أبقته في الحافلة فهاجمته الحشود التي وصلت إلى المكان وضربته حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. واعتبر رئيس الحكومة في حينه أريئل شارون العملية «إرهابية» وربطها معلقون بقرار الأخير الانسحاب من مستوطنات قطاع غزة. لكن الشرطة أصرت على تقديم سبعة شباب للمحاكمة بتهمة القتل العمد، فتمت تبرئة أحدهم وإدانة الآخرين بتهمة القتل غير العمد. ويعم الإضراب الشامل مرافق الحياة في مدينة شفاعمرو اليوم بقرار من مجلسها البلدي. وتجري تظاهرة احتجاجية قبالة المحكمة في حيفا ساعة النطق بالحكم، في وقت أعلن محامو الدفاع أنهم سيستأنفون إلى المحكمة العليا أي قرار بسجن أي من المدانين. وحفل هذا الأسبوع بنشاطات احتجاجية في المدينة بعد نصب خيمة اعتصام في باحة البلدية، شارك فيها مئات المواطنين وقادة الأحزاب العربية الوطنية والإسلامية الذين أكدوا أن المحاكمة سياسية تتم فيها محاسبة من دافع عن كرامة بلده ومنع مجزرة أبشع. وقال رئيس البلدية أمين عنبتاوي: «نرفض المحاكمة ونرفض أي حكم سيصدر لأنه حكم جائر. نحن الضحية فيما من يقف وراء المجرم لم يعاقَب. هذه قضية سياسية ووطنية عامَّة تخص جميع جماهيرنا لأن القاتل بحث عن قتل عرب، ونحن لن نستكين طالما لا يتم العفو عن المدانين. أهالي المدينة الذين تصدوا للمجرم يستحقون شهادة شرف على دورهم البطولي». وحذر رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية محمد زيدان من أن أي حكم بالسجن على الشباب «سيوّلد انفجاراً قبالة المحكمة لا يعرف أحد كيف سيمتد، لأننا متأكدون من أن أي حكم كهذا سيكون ظالماً، ويجب علينا أن ندافع عن الرسالة التي أداها الشباب وجميع أهالي شفاعمرو الذين أوقفوا المجزرة». وكان المجلس البلدي قرر أيضاً التوجه برسالة إلى «رئيس الدولة» شمعون بيريز لمنح المدانين العفو من خلال التأكيد على أن محاكمتهم سياسية. وكان جهاز الأمن العام (الشاباك) نشر بعد عام من وقوع المجزرة نتائج «تحقيق» قام به حول الإرهابي نتزادة أفاد بأن الأخير «عمل بمفرده»، وذلك بعد أن حقق مع عدد من مستوطني مستوطنة «تبواح» بشبهة علمهم بنيته تنفيذ المجزرة وتم تحريرهم بداعي عدم وجود أدلة ضدهم. كذلك ادعى الجيش عدم وجود مؤشرات مسبقة باحتمال قيام الإرهابي بفعلته رغم أنه هرب من الخدمة العسكرية وهو يحمل سلاحه الشخصي. لكن عائلات الشهداء ليست مقتنعة بأن يكون نتنزاده عمل بمفرده. واحتج محاموها على إغلاق المخابرات الملف بداعي أن المنفذ مات، وعلى رفض الجهاز الكشف عن تفاصيل التحقيق الذي أجراه حول القضية.