يقول وزير لبناني من غير المنتمين الى فريق 8 آذار إنه لم يكن ينتظر ما أورده رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان في رسالته الى اللبنانيين لمناسبة الذكرى السبعين لاستقلال لبنان ليتأكد من انه غير راغب في التمديد لنفسه، وإلا لكان اضطر الى تدوير الزوايا مراعاة لهذا الطرف أو ذاك ليكسب تأييده في معركة التمديد، بدلاً من ان يصارح الجميع بمواقف لم تكن جديدة وسبق له ان استحضرها في مناسبات عدة. ويضيف هذا الوزير ان سليمان أراد أن يستبق الاقتراب من الاستحقاق الرئاسي بتجديد دعوته الى التزام إعلان بعبدا من أجل تحييد لبنان عن التداعيات السلبية للأزمات الإقليمية والانسحاب فوراً من الصراع الدائر في سورية، تقديراً منه لدقة الوضع في لبنان الذي يستدعي منه، باعتباره حامي الدستور، أن يدق ناقوس الخطر واضعاً الجميع أمام مسؤولياتهم ومحذراً من الفراغ الذي يفتح الباب أمام استمرار الاشتباك السياسي. ويؤكد الوزير نفسه ان سليمان يستشعر الخطر الداهم على لبنان جراء انهيار ما تبقى من مشروع الدولة، وإلا لما قال ان «دولة الاستقلال لا يمكن ان تقوم إذا ما قرر أطراف أو جماعات لبنانية بعينها الاستقلال عن منطق الدولة أو إذا ما أرتضوا الخروج عن التوافق الوطني باتخاذ قرارات بتخطي الحدود والانخراط في نزاع مسلح على أرض دولة شقيقة وتعريض الوحدة الوطنية والسلم الأهلي للخطر». ويستغرب الوزير امتناع بعض الفرقاء عن التعليق على العناوين الرئيسة لرسالة سليمان الى اللبنانيين، ويقول ان التعليقات بقيت محصورة بقياديين من 14 آذار أبرزهم رئيس حزب «الكتائب» أمين الجميل وزعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، إضافة الى رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط الذي اعتبر ان «كلامه حول استقلال بعض الأطراف أو الجماعات اللبنانية عن منطق الدولة والانخراط في نزاع مسلح على أرض دولة شقيقة إنما يتقاطع مع مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري التي أشار فيها الى فك التداخل اللبناني في النزاع السوري». ويسأل الوزير لماذا أحجمت معظم القيادات المنتمية الى 8 آذار عن التعليق على رسالة الرئيس؟ وعن مصلحة «حزب الله» في رده المباشر بلسان رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد بقوله ان «إعلان بعبدا جف حبره»، فيما أجمعت قوى 14 آذار على تأييده! ويرى ان سليمان أراد من خلال رسالته ان يرسم خريطة طريق يضيء من خلالها على الأزمة التي تنتظر الرئيس المقبل والآلية المتبعة لإعادة الاعتبار الى مشروع الدولة. ويقول: «لا بأس إذا كان البعض ينظر الى مضمون رسالته على انه منحاز لفريق دون الآخر، على رغم ان انحيازه تمثل في العودة الى إحياء هذا المشروع الذي يشكل حاضنة للجميع». ويؤكد الوزير ان سليمان رغب في أن يطلق انذاره الأخير في وجه الجميع، وفيه ان لا غنى عن مشروع الدولة وان الفراغ في الرئاسة الأولى قد يؤسس لجولة جديدة من الاشتباك السياسي الذي من شأنه أن يدفع في اتجاه المزيد من التأزيم، وان الرهان على الخارج لن يجدي نفعاً والاستقواء به لن يبدل من واقع الحال في لبنان الذي يقوم على التوازن ولا يمكن الإخلال به، لأن لا مكان لتسوية عابرة أو دائمة إذا ما قامت على معادلة وجود غالب ومغلوب». وبكلام آخر، كما يقول هذا الوزير، فإن رئيس الجمهورية لا ينظر الى انتخابات الرئاسة الأولى على انها معركة رقمية يربح فيها من يحصد أكثرية النواب في البرلمان لأن مثل هذه النظرة تعني التمديد للأزمة. ويضيف ان سليمان أراد من خلال رسالته ان يضع سقفاً سياسياً لمعركة رئاسة الجمهورية لا يستطيع أي مرشح ان يتجاوزه بذرية ان هذا السقف متحرك وقابل للتعديل في حال أخذت الظروف الإقليمية والخارجية تتبدل قبل الدخول في صلب الاستحقاق الرئاسي. ويتابع ان سليمان أرسى من خلال رسالته مجموعة من المبادئ والثوابت التي لا يمكن أي رئيس مقبل أو حكم جديد ان يدير ظهره لها. لأن البديل سيكون حتماً التمديد للأزمة السياسية الراهنة، لا سيما انه كان وراء وضع الإطار العام للاستراتيجية الدفاعية التي ما زالت عالقة وينطلق فيه من مرجعية الدولة في اتخاذ أي قرار يتعلق بالسلم أو الحرب. ويرى هذا الوزير ان اعلان بعبدا سيكون حاضراً كأساس في الثوابت السياسية لأي رئيس مقبل باعتبار انه يحظى بغطاء دولي يمكن بعض الأطراف أن يتجاهلوه لبعض الوقت لكنهم لن يكونوا قادرين على إلغائه. ويؤكد انه كان وراء إقرار المجتمع الدولي بدعم برنامج لبنان لاستيعاب النازحين السوريين وان هذا البرنامج يفرض نفسه على المدى البعيد ولا يمكن أحداً أن يقفز فوقه. وفي هذا السياق، يستحضر الوزير نفسه بعض المحطات السياسية التي كان لرئيس الجمهورية فيها دور الحكم، سواء من خلال رعايته طاولة الحوار الوطني أم عبر توفير الغطاء السياسي للقضاء وللأجهزة الأمنية في ظل وجود حكومة تصريف الأعمال وفي غياب البرلمان الذي مُدد له ولم يتمكن من القيام بأي دور تشريعي يخفف من رفض الرأي العام لهذا التمديد. ويقول أيضاً إن لا صحة لما أشيع عن ان سليمان حذف من رسالته وفي اللحظة الأخيرة دعوة الى استئناف الحوار، ويؤكد أنه ناقش هذا الأمر مع فريق عمله وارتأى اختيار الوقت المناسب لتوجيه الدعوة للعودة الى طاولة الحوار الذي لا غنى عنه وسيفرض نفسه مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي لأن البلد لا يمكن ان يبقى الى فترة طويلة من دون حكومة جديدة. ويسأل عمّن غطى قرار توقيف الوزير السابق ميشال سماحة بتهمة نقل متفجرات من سورية الى لبنان لتفجيرها في أمكنة معينة في شمال لبنان ومن ضغط لوقف الاحتجاجات التي كانت تؤدي الى قطع الطريق الدولية المؤدية الى مطار رفيق الحريري اضافة الى توفيره الغطاء السياسي للقضاء والأجهزة الأمنية للتحقيق في التفجير عن اللذين استهدفا مسجدي «التقوى» و «السلام» في طرابلس وفي تفجيرات أخرى في مناطق عدة؟ كما يسأل عن دور سليمان في ظل وجود حكومة تصريف الأعمال ومبادرته، بالتنسيق مع رئيسها نجيب ميقاتي، الى دعوة مجلس الدفاع الأعلى للانعقاد لوضع حد للفلتان في طرابلس ولتجدد الاشتباكات بين باب التبانة وجبل محسن. لذلك، يعتقد الوزير ان كل هذه المبادئ والثوابت التي أرساها سليمان، قولاً وعملاً، ستكون حاضرةً بامتياز في عملية التسلم والتسليم بينه وبين خلفه إذا ما قدر للبلد أن يستعيد عافيته تحت ضغط المجتمع الدولي لمنع حصول فراغ في الرئاسة الأولى يضع الجمهورية في مهب الريح. ويؤكد ان رئيس الجمهورية لم يتطلع من خلال ما أرساه الى المزايدة الخطابية على خلفه أو إحراجه، وإلا فإن الهروب منها الى الأمام يعني ان الرئيس العتيد لن يحكم في غياب الجمهورية والحد الأدنى من التوافق على هذه الثوابت.