أدى التطور الرقمي في مجال الإعلام والاتصال إلى إحداث تغيرات في ممارسة العمل الصحافي، وكان للصحافة العربية نصيب منها، ومن أهم تلك التأثيرات بروز ما يسمى بصحافة المواطن والتغيرات الطارئة على أسلوب ممارسة العمل الصحافي، وتغير الأولويات والتواصل مع الجمهور. وتعد صحافة المواطن من أكثر المتغيرات التي أثرت في المنطقة العربية، وكانت عاملاً أساسياً في تحريك مسيرة التغير السياسي الذي شهدته المنطقة العربية، لاسيما أن شرارة ما يسمى ب«الربيع العربي» بدأت من مواطن صور مشهد احتجاج التونسي «البوعزيزي» ونشرها في مواقع التواصل، وتلقفتها الصحافة العالمية والعربية، لكي تعزز مسيرة احتجاجات طاولت مناطق عدة في المنطقة العربية. وتعود قوة تأثير هذا المفهوم في المنطقة أكثر من غيرها من مناطق العالم إلى أن الإعلام التقليدي يتمتع غالباً بعلاقة حميمة مع الأنظمة السياسية، فاعتاد على القيود على رغم مؤشرات الانفتاح الذي أجبرته عليه الوسائل الإعلامية الحديثة، وعلى رغم ذلك لم يجد المتلقي العربي ما يلبي حاجته، وجاءت صحافة المواطن كي تسد هذه الفجوة وتعبر عن معظم ما يريد، على رغم شوائب تعدي الخصوصية وعدم الدقة التي تحدثها. وأظهر استطلاع للرأي أجري في آذار (مارس) 2011 عن استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي في الدول العربية أن 90 في المئة من الشباب التونسي والمصري استخدموا «فيس بوك» للدعوة للمظاهرات أو نشر أخبارها (2012، بوو). كما أن تغطية الصراع في سورية قائمة وبحد كبير على صحافة المواطن، إذ إن غالبية الصور والمواد الفيلمية يقدمها مواطنون ويستفيد منها المتلقي ووسائل الإعلام. لكن يجب النظر مرة أخرى إلى أن هذا النوع من الصحافة لا يزال يعاني من فقدان الصدقية والدقة، إذ ذكرت دراسة أن 49.1 في المئة تعرضوا للخداع من خلال صحافة المواطن وشبكات التواصل الاجتماعي، لكن يظل تأثير هذا النوع من الصحافة جلياً في الواقع الإعلامي العربي. في الوقت ذاته، أسهمت الوسائل الحديثة في تغيير أسلوب العمل الصحافي إلى حد كبير، والصحافي العربي جزء ممن تأثرت ممارسته العمل، خصوصاً أنه مرتبط بالتقنية والمنصات الإعلامية الجديدة مثل غيره، وبات يستقي من الفضاءات الإلكترونية والاجتماعية، وأضحى يصنع الكثير من قصصه ومواضعيه الصحافية من خلالها وتعززت مصادره الشخصية والمؤسساتية من خلال وجود الجميع في الشبكات المختلفة مثل صحافي العالم. الاختصار من أبرز ثمرات شبكات التواصل الاجتماعي، تركيز الصحافي على الاختصار، كما يقول وليد عباس الصحافي في مونت كارلو الدولية: «كنت في الماضي، أبديت إعجابي بتأثير «تويتر» في أسلوب كتابتي، إذ دفعني إلى المزيد من الاختصار والتركيز، لكنني اليوم أعرب عن قلق عميق وانزعاج شديد من تأثير موقع «غوغل» في أسلوب كتابة الصحافيين وتعبيراتهم، لكي يحتلوا مراكز متقدمة في نتائج البحث على الإنترنت، وقلق أعمق وانزعاج أشد من تأثير دردشاتكم ونكاتكم في «تويتر» و«فيسبوك» في اجتماع التحرير الذي أنظمه في إذاعتنا» (2013). تعزيز المحتوى في المواد الصحافية أسهمت التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي كافة ومواقع مشاركة المقاطع المرئية والصوتية والملفات والمدونات في تعزيز المحتوى الصحافي والمادة الخبرية في الصحافة. لكن يبدو أن الصحافة العربية إلى الآن لم توظف ما يعرف بمفهوم Multimedia في شكل جيد كما يحدث في الصحافة العالمية في ظل وجود بعض الصحف التي تعطي اهتماماً نوعاً ما بهذا المفهوم، إذ أصبح المتابع للصحافة العربية الآن قادراً على الحصول على مادة أكثر شمولية وعمقاً وتفاصيل بوسائل مساعدة مثل الفيديو والملفات الصوتية أكثر من أي وقت مضى بفضل الوسائل الاتصالية الحديثة.