لنفرض أن شركة كبيرة مثل «سابك» أو إحدى شركات الاتصالات أملت مصلحتها الاقتصادية توفير بليون ريال أو درهم أو دولار أو أية عملة صعبة أخرى. وليس من السهل ولا من المجدي اقتصادياً الاقتراض من مصرف واحد مثل هذا المبلغ الضخم، والأفضل هو الاقتراض من أسواق الاعتماد كافة، أي بخلق منافسة بين المقرضين. كيف؟ يتم ذلك من طريق إصدار سندات أو صكوك ثم بيعها بكميات يؤدي بيعها إلى توفير بليون. وما الذي يحدد سعر البيع، وبالتالي الكمية المطلوب بيعها؟ يحدد سعر البيع عوامل كثيرة، لعل أهمها عاملان: الأول مستوى الفائدة في وقت البيع وما هو متوقع عن تغيرات مستويات الفائدة في المستقبل. والعامل الثاني درجة الموثوقية بقدرة مصدر السندات على الوفاء بالمبالغ المدونة في متن السندات حينما يحل أجلها. فلن تستطيع شركة خليجية أو عربية أخرى الحصول على القروض بالتكاليف المتدنية نفسها نسبياً، كالتي بموجبها تحصل شركة مثل «أبل» أو شركة «غوغل» على قرض مماثل. أي أنها لن تستطيع الحصول على ثمن السند نفسه الذي تستطيع الحصول عليه شركات عمالقة التواصل من مبلغ سندات مماثل. ولنفرض أن المبلغ المطلوب هو من الدولارات، ومبلغه كما جاء أعلاه بليون. فإذا كان سعر الفائدة على ودائع الدولار الآجلة 3 في المئة، فقد تستطيع شركة عربية حاصلة على أعلى درجات التقويم في المنطقة على الحصول على بليون الآن، ببيعها سندات بمبلغ بليون «أي ألف مليون و60 مليوناً»، وتعويض حاملها بمبلغ بليون واحد فقط حين يحل أجلها، ولنفرض أنه عام من وقت بيعها. أي أنها دفعت 60 مليوناً في مقابل الحصول على قرض بمبلغ ألف مليون. وهذا معناه أنها دفعت 6 في المئة في مقابل ما باعته من سندات. فالذين اشتروا السندات في واقع الأمر أقرضوا الشركة. والشركات أياً كانت درجة الموثوقية بقدرتها على الوفاء لا تستطيع الاقتراض من المنشآت المصرفية الكبرى بالتكاليف نفسها التي تتحملها حينما تصدر وتبيع السندات. فلماذا؟ هناك أسباب كثيرة، لكن أهمها سهولة بيع السندات. فلا جدال أنه يمكن بيع السندات أو الصكوك في أسواق المال بسهولة وبسرعة وبعمولات تنفيذ بيع متدنية. فالسندات «أو الصكوك» سلعة تباع أو تشترى، فيبيعها من يحتاج إلى سيولة ويشتريها من يبحث عن عائد في مقابل تخليه عن ثمن الشراء، حتى إما أن يحل أجل السندات أو يبيعها قبل أن يحل الأجل، أي تباع وتشترى على أسس تنافسية بين المقرضين والمقترضين وبشفافية كاملة ومعلنة للجميع. ومع أنه أيضاً لا يتعذر بيع القرض المعتاد، إذا كانت نوعيته جيدة من حيث قدرة المقترض على الوفاء وقيمة الرهن إن وجد، فإن بيعه يحتاج إلى وقت طويل وتكاليف أعلى من تكاليف بيع السندات حتى الأقل جودة منها، والذي يقترض من كل السوق ليس كمن يقترض من منشأة واحدة. إجمالاً، هناك علاقة عكسية دائمة بين أسعار بيع السندات وبين مستوى الفوائد أو عمولات أو تكاليف الاقتراض. فلو قلنا في المثل السابق إن مستوى العائدات المدفوعة على ودائع الدولار ارتفعت من 3 في المئة إلى 4 في المئة، فإن مشتري السندات يستطيع تحقيق عائد أكثر بنسبة 4 في المئة في مقابل وديعة آجلة آمنة يستطيع «كسرها» من دون مقابل. ولذلك فأثمانها - أي السندات - ستكون أقل. أما من اشترى السندات فكان يأمل بأن تنخفض مستويات الفوائد من 3 في المئة إلى 2 في المئة على سبيل المثال، لأنه في هذه الحال قد يبيع السند الذي اشترى بمبلغ أكبر من سعر الشراء. بالطبع كل ما جاء هي أمثلة توضيحية. أما تغيرات مستويات الفائدة، ويتبع ذلك التفاوت بين مبالغ شراء السندات وبيعها فهي بكسور صغيرة جداً، وبوسائل أكثر تعقيداً مما تم ذكره. فهناك أدوات مالية مستحدثة، ك«التورق» و«المشتقات» لا نريد الخوض في متاهاتها. وموجز القول، إنشاء السندات هي الوسيلة المثلى للقادرين على إنشائها وبيعها بأسعار مقبولة لتوفير السيولة. ويعود ذلك إلى أن إصدار السندات وسيلة للاقتراض، ولكنه اقتراض من جميع المتنافسين في أسواق الاعتماد، أي مانحي القروض بشراء السندات. ومن الواضح أن الاقتراض من المتنافسين أقل كلفة من الاقتراض من مقرض واحد مهما كان حجمه. وتتصاعد أسعار السندات إذا تناقصت مستويات الفوائد، أي إذا انخفضت تكاليف الاقتراض، وتتدنى أسعارها «السندات» عندما يحدث العكس وترتفع مستويات الفوائد. *أكاديمي سعودي.