إطلاق 3 مشاريع لوجستية نوعية في جدة والدمام والمدينة المنورة    "مجد للاستثمار" و "عقارات السيف" تعلنان عن تحالف استراتيجي في المنطقة الشرقية    لاكروا: الأمم المتحدة ستعزز يونيفيل بعد التوصل لهدنة في لبنان    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    كوريا الجنوبية تهزم الكويت بثلاثية    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    حسابات منتخب السعودية للوصول إلى كأس العالم 2026    رسميًا.. رانييري مدربًا لسعود عبد الحميد في روما    القبض على 3 إثيوبيين في نجران لتهريبهم 29,1 كجم "حشيش"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    انطلاق فعاليات المؤتمر السعودي 16 لطب التخدير    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    وزير الإعلام يلتقي في بكين مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    عصابات النسَّابة    رقمنة الثقافة    الوطن    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    أفراح النوب والجش    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    أجواء شتوية    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    مقياس سميث للحسد    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الربيع العربي»... المجازات والغموض وعدم اليقين
نشر في الحياة يوم 18 - 11 - 2013

هل كنا نحتاج إلى استعارة مجازات فخيمة ومفخخة ك «الربيع العربي»، استعارة من الإرث السياسي الأوروبي في نهاية القرن التاسع عشر، و «ربيع براغ» الذائع الصيت، كي نقع في إسار المعتقلات اللغوية والاصطلاحية الأورو - أميركية حول طبيعة ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسورية؟!
بالقطع لا، لكن هذه اللغة ومجازاتها المستعارة واختلاطاتها وعمليات التهجين التي تتم أدت إلى المساهمة في نشر الإحباط بين بعض النخب وشرائح من الفئات الوسطى - الوسطى المدينية - التي تنامت طموحاتها ورغباتها، وتزايد طلبها على بعض القيم السياسية التي تروم إلى تحقيقها وإشباعها، كالحرية والمساواة والمواطنة والحرية الدينية وحقوق المرأة والأقليات الدينية والعرقية والإصلاح الهيكلي للدولة والنظم السياسية في العالم العربي، بل إن بعضهم تبنّى بعض المطالب الاجتماعية للفئات الشعبية الساعية إلى بعض من العدل الاجتماعي.
إذا حاولنا تجاوز فضاء اللغة واضطرابها وعنفها، وتجاوزها الواقعَ الموضوعي ومحمولاته وتعقيداته في كل مثل عربي شهد بعض الانتفاضات، وركزنا على واقعات ما بعد، والتي شكلت مراحل الانتقال، في إطار مقارن، يمكننا ملاحظة أن اقتصاد الزمن السريع والمكثف وتياراته المتلاحقة أنتج تياراً من المشاعر شبه الجماعية المضطرمة باليأس وغياب الأمل، أو فلنقل الأمل الغائم حول المستقبل.
إن أخطر ما يسود المثلين التونسي والمصري هو الاضطراب والسيولة، وبعض من الفجوات الأمنية - السياسية والجنائية - وغموض مآلات عمليات التحول. من ناحية أخرى بعض اليأس الزاحف حول مشاهد العنف المتبادل في المثل السوري بين الأطراف المتصارعة، وتآكل شعبية وشرعية بعض القوى السياسية المناهضة للنظام، بعد تداخل بعض المجموعات السلفية الجهادية والتكفيرية والقاعدية ضمن المشهد السوري، ومن ثم الخوف من المساومات على سورية بهدف إنقاذ منطقة المشرق العربي وغرب آسيا وتوازناتها.
إن السيولة والغموض وعدم اليقين حول مسارات التحول الديموقراطي «الثوري» المتعثر تبدو كسمتٍ رئيسٍ لما بعد ما سمي مجازاً بالربيع. من هنا، شاع ما سمي «خريف الثورات» العربية المجهضة. ما الذي أدى إلى هذا الخريف المحمول على القنوط والخوف والغموض والاضطراب؟ إن ما حدث من واقعات سياسية متغيرة في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين وسورية، تعبير مكثف عن تراكم تاريخي من العوائق البنائية في تشكيل النخب السياسية والثقافية، - ومن ثم، فإن إعاقات التحول الديموقراطي في المراحل الانتقالية كانت ولا تزال تعبيراً عن سطوة وقوة ونفوذ هذه المواريث، إضافة إلى موت السياسة، أو سياسة الإدارة والقمع التي سادت منذ وصول بعض العسكريين إلى السلطة، أو استمرارية بعض النظم التقليدية.
إن تعثر قدرات النخب السياسية المتنازعة على إدارة المراحل الانتقالية، يعود إلى أسباب عدة، نذكر منها في إيجاز شديد ما يأتي:
1 - تأثير الأطراف الخارجية في عملية التحول: إن دور الأطراف الدولية - الولايات المتحدة، والمجموعة الأوروبية - كان مؤثراً في تغليب بعض الأطراف على الأخرى في مصر ومن ثم، دعم «الإخوان» كقوة منظمة على المجلس العسكري وبقية الأطراف الأخرى، ولا تزال تدعم «الجماعة» سياسياً بعد أحداث 30 حزيران (يونيو) وما بعد. من ناحية أخرى أدى التدخل الفرنسي - الأميركي - البريطاني في ليبيا إلى تفكك عرى الدولة الليبية نحو بؤر للقوة المناطقية - القبلية. وتشكل سوق سلاح إقليمية وعمليات تهريب لبعض الجماعات الإسلامية المسلحة - وغيرها - إلى تونس، وربما تمتد إلى مالي والشمال الأفريقي، وإلى السودان ومصر وقطاع غزة.
وإن دور الأطراف الإقليمية في إقليم اليسر النفطي بات مؤثراً في الدعم الاقتصادي لمصر في أعقاب ما حدث في 30 يونيو وما بعد، إزاء الضغوط الإقليمية - دور تركيا وقطر وحركة حماس - والدولية الأميركية والأوروبية، لا سيما فرنسا. ولعبت الأطراف الإقليمية هذه دوراً مؤثراً في وضع خرائط التحول من داخل النظام في اليمن واحتواء الاحتجاجات في البحرين، ولكن، حتى هذه اللحظة يبدو الدور محدوداً في الصراع الدولي والإقليمي على سورية، والمساومات الجارية عليها وعلى مواقع النفوذ الإقليمي - الإيراني تحديداً - وعلى بعض مواقع القوة بالمشرق.
2- بروز قدرة الأنظمة التقليدية على التكيف مع الموجة «الثورية» الاحتجاجية، وهو ما برز في استخدام سياسة دول اليسر في دعم بعض دول العسر - بتعبير محمود عبد الفضيل - الأردن والمغرب. يعود هذا التوجه إلى عديد الأسباب، ومنها: أ- الخبرات السياسية الملكية - المخزن في المغرب وأجهزة الدولة، واستيعاب العدالة والتنمية في إطار الحكم - وبعض قدرات النخبة الأردنية حول الملك في الأردن وسرعة دورانها وإشباع طموحاتها في الوصول إلى السلطة بين الحين والآخر. ب- قدرات وخبرات وسرعة تكيف الأجهزة الأمنية في التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية. ج- تأثير الفشل «الإخواني» و «النهضوي» في حركات الاحتجاج في المغرب وفي القوى الإسلامية في الأردن.
3- فشل نخب السلطات الانتقالية في مواجهة التحديات الهيكلية للأمن، وثورة التوقعات الاجتماعية لدى كتل اجتماعية أساسية، في ظل سطوة المؤسسة العسكرية في مصر، وتكيف نخبة الدولة «العميقة»، والمجموعات التكنوقراطية والبيروقراطية الهرمة - من أبناء الخمسينات والستينات - وقدرتهم على استعادة غالبية مواقعهم في مصر منذ 30 يونيو وما بعد... ولا شك في أن عجز الترويكا الحاكمة عن إدارة المرحلة الانتقالية في تونس ظهر في الفشل الاقتصادي، وإهمال دمج مناطق الوسط والجنوب المهمشة تاريخياً والتي خرجت منها الانتفاضة الثورية. من ناحية أخرى، عدم الوصول إلى وضع وثيقة دستورية تؤسس للتوافق الوطني بين القوى المتصارعة، وبطء القرار والفعل السياسي.
4- غياب القيادات الإسلامية ذات الخبرة بالدولة وثقافتها في مصر، ومن ثم ضعف الخبرة والخيال السياسي لدى قادة «الإخوان»، وهيمنة الشيخوخة السياسية عند قمة الجماعة، واستبعاد الأجيال الجديدة من صناعة القرار لدى «الجماعة»، ومن ثم في الحكم، وهي ظاهرة ممتدة في القوى السياسية الأخرى الحليفة للمؤسسة العسكرية الوطنية في مصر.
5- ظهور أثر اللاسياسة وقوتها، على بعض قرارات الحكم في مصر وتونس، في تضاربها، وغياب دراستها، وكذلك الرغبة في الهيمنة والتمكين، ما أدى إلى تعميق الانقسامات الرأسية، وانكسار الموحدات الوطنية.
6- تفكك البعد الأخلاقي والديني عن سياسة «الإخوان» والنهضة من خلال الممارسة لمصلحة الذرائعية السياسية، والجوع الشديد للسلطة ومغانمها في ظروف صعبة ومعقدة من عدم الاستقرار.
تيار من أسباب الفشل في المراحل الانتقالية، ولكن، تبدو أزمة الدولة وهشاشتها بارزة في ليبيا، وضعيفة في تونس، وشائخة في مصر، لكنها ذات رسوخ في الوعي شبه الجمعي. من ثم، بدت مصر خلال المراحل الانتقالية تتوق إلى قوة الدولة/ الأمة في مواجهة الاضطراب، وفجوات الأمن، والخوف والغموض وعدم اليقين والغيوم حول المستقبل والآمال السياسية الغائمة. من هنا، نستطيع تفسير بعض ما حدث في 30 يونيو وما بعد... عودة المصريين إلى ما نسميه عبادة الدولة أو دين الدولة المصرية الوضعي، أي الإيمان بالدولة المركزية القومية كأساس لبناء هندسة سياسية جديدة، وكموئل مجرب وعريق للأمان الجماعي.
بين تفكك الدولة في ليبيا، وضعفها في تونس، والسعي إلى تجديدها في مصر، تبدو المنطقة في مخاضعات وغموض وبعض اليأس المتمدد، وفشل نخب الشيخوخة السياسية، وتشظي وضعف القوى المدنية والأجيال الجديدة المقبلة من اللاخبرة واللاسياسة، والتي تعاني من الإحباط، الذي سيدفع إلى تغيرات أخرى في الآفاق الغائمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.