قلت إن العقاريين الفاسدين يجب ترحيلهم من السوق على خلفية تقديم خدماتهم للعمالة المخالفة، وإن خدمات التزوير في العقود منتشرة حتى على مستويات أكاديمية وطبية في جهات مرموقة، وهذا صحيح فكيف ذلك؟ لعلكم تذكرون الأمر الملكي الكريم قبل أعوام بصرف بعض الامتيازات للأطباء وكان منها بدل السكن، ولا أعرف كيف تصرفت الجهات فيه لكني أعرف أن جهة عملاقة ولها شعبية ومكانة في نفوسنا أصرت على الأطباء وفيهم الاستشاريون والأكاديميون في مستشفاها وجامعتها الطبية المتخصصة أن يحضروا عقود إيجار حتى يحصلوا على ما صدر الأمر الواضح بصرفه لهم. تخيل، حاول أن تتخيل بتجرد وهدوء أنك أمضيت عقوداً من عمرك تتعلم ثم تمارس الطب وتعلمه، وتعلم طلابك ومرضاك كثيراً من المبادئ التي من أهمها في هذه المهنة الصدق والوضوح، ثم تضطر لأخذ حقك إلى أن تشتري عقد إيجار مزور من مكتب عقاري لا يمكن تسميته إلا بالفاسد والمفسد، ترى كيف هو إحساسك بهذا الصراع بين مبادئك وحقك، بين أفكارك وقوت عيالك! تحدث لي صديق هناك عن مشاعره ومشاعر زملائه المحبطة والسلبية بممارسة هذا الغش العلني، وبمباركة من الشؤون الإدارية والمالية هناك، إنهم ببساطة يشعرون بشيء يشبه الإهانة وبهوانهم على جهة عملهم. المؤسف أن الجهة تعلم أن معظم العقود التي قدمت إليها غير صحيحة، موظفوها الإداريون يقولون للأطباء: «جب عقد ونصرف لك» هكذا، فلماذا هذا الالتفاف، ولماذا لا يعطى الجميع هذا البدل لأنهم ببساطة جميعهم أطباء! هل المقصود أن من يملك منزلاً لن يصرف له البدل، هل هذا نظام البدلات في الحكومة أو أي مكان، بالطبع لا وإلا لمنع أي رجل أو امرأة أنعم الله عليه بالستر مالياً من بدلاته وحقوقه على أساس أنه يملك المال، فهل هذا منطق؟ هؤلاء الأطباء بعضهم بالفعل مستأجر وبعضهم يقسط منزله وبعضهم يمتلك منزلاً أو يشارك والديه منزلهم أو هو في أي وضع إسكاني، فلا يحق للإدارة في هذا القطاع تصنيف الناس، خاصة وأنها تتعامل مع مواطنات ومواطنين هم في السوق عملة نادرة، وسوق القطاع الخاص يختطفهم بمزايا ومغريات حقيقية تناسب ندرتهم وحاجة المجتمع والتنمية إليهم. إذاً عندما نتحدث عن الفساد والغش في المكاتب العقارية فنحن لا نتكلم عن إسكان عمالة في حي قديم أو بيت شعبي فقط، إننا نتحدث عن مستويات عالية يأتيهم فيها الأطباء وربما غيرهم كثير في القطاعين العام والخاص بسبب التعنت الإداري أحياناً أو بسبب الأنظمة البالية أو التنفيذ غير الذكي للأنظمة والقوانين والأوامر. ما الحل؟ بالنسبة للأطباء ومن يعانون مثلهم في أي قطاع فلا حل إلا بتغيير هذه الممارسة وتوحيد صرف البدلات للناس على رغم تحفظي الشخصي على مساواة الجميع، لأن كثيراً من المهن يكون للخبرة فيها قيمة تعرفها أسواق وحكومات العالم. إذا قل الطلب سيقل العرض، وبالنسبة للعقود العقارية أقترح أن العقود يجب أن توثق في جهة ما، ويمكن استخدام «الباركود» عليها فيصعب أو يستحيل تزويرها. [email protected] mohamdalyami@