أراد السيد حسن نصرالله أن يطمئن جمهوره إلى مستقبل حزبه في وجه مساعي التسويات الجارية في المنطقة، سواء بالنسبة إلى النزاع السوري أو إلى قضية الملف النووي الإيراني. واختار الأمين العام ل «حزب الله» ظهوراً علنياً نادراً في وسط الضاحية الجنوبية ليبلغ أنصاره ومشاهديه وحلفاءه وخصومه أن مستقبله مضمون سواء حصلت تسوية في سورية أم استمرت الحرب وانتصر نظام بشار الأسد كما يأمل. كما أن مستقبله مضمون من الجانب الإيراني، سواء تمّ التفاهم الأميركي مع إيران أم فشل. قال نصرالله: إذا كنتم تنتظرون أن تنتصروا في سورية فلن تنتصروا ... وإذا حصل تفاهم نووي ففريقنا سيكون أقوى وأفضل حالاً محلياً وإقليمياً. الظهور العلني بحد ذاته له معنى. إنه يشير إلى حالة اطمئنان أمنية وسياسية لم يعرفها زعيم «حزب الله» منذ حرب تموز (يوليو) 2006، فقد كان يحرص منذ تلك الحرب على الظهور أمام جمهوره عبر الشاشة، باستثناء مناسبات قليلة كان لا يتعدى ظهوره فيها الدقائق المعدودة، وسط قلق فريق حراسته وخوفهم على حياته. لا يكفي الرد على هذا الظهور العلني لنصرالله بأن مناسبة الاحتفال بعاشوراء فرضت نفسها على الأمين العام، فأبى التخلف عن المشاركة الشخصية. فهذه المناسبة مرت في العام الماضي وفي الأعوام التي سبقته، ولم تكلف نصرالله عناء الوقوف لحوالى الساعة يخطب أمام الحضور، وسط منطقة تعرضت في الأشهر القليلة الماضية لسلسلة من التفجيرات، ويقول المسؤولون عن «حزب الله» إنها ما زالت بين المناطق المستهدفة. ما الدافع إلى حالة الاطمئنان هذه إذن؟ وهل لذلك علاقة باطمئنان نصرالله إلى وضعه كنتيجة للتسويات التي تقوم إدارة باراك اوباما بطبخها للمنطقة، والتي يبدو أنه مقتنع أن حزبه لن يدفع ثمنها لا في التسوية السورية ولا في المسألة الإيرانية؟ من حسن الحظ أن نصرالله يكشف بصراحة عن تسويات للمنطقة تجهد الإدارة الأميركية إلى إخفائها عن أصدقائها وحلفائها. إنه يؤكد أن أميركا تتعامل مع هذه الأزمات بما يحقق مصالحها الأنانية ومن غير اعتبار لذيول هذه الحلول على أوضاع المنطقة وعلاقات القوى المتصارعة عليها، فالتفاهم الذي يجري الإعداد له من جانب الإدارة الأميركية مع إيران لا يأخذ في الاعتبار ضرورة الحد من دورها الإقليمي كمصدّر للنزاعات إلى دول المنطقة، ولا يهتم بحالة التفكيك والتوتر المذهبي التي أشاعها الدور الإيراني في معظم الأقطار العربية. هدف إدارة اوباما هو إقفال الملف النووي بأقل الأثمان الممكنة... وليتدبر أهل المنطقة أمورهم. ومن هنا كان تأكيد نصرالله على ان التفاهم الإيراني مع الغرب سيجعل فريقه «أقوى وأفضل حالاً محلياً وإقليمياً». والغريب أن الفريق الذي يرعى عملية التفكيك الطائفي في المنطقة يلقي الآن هذه المسؤولية على الآخرين، ويدعي انه يشارك في الحرب السورية في مواجهة ما يسميه «الهجمة الدولية الإقليمية التكفيرية»، ويتجاهل «حزب الله» حقيقة أن النظام السوري الذي يدعمه تنفيذاً للرغبات الإيرانية هو الذي قام بتصدير التكفيريين الى العراق لتفكيكه وتدميره ونشر الفتنة المذهبية في أرجائه، ثم عاد فأطلق هؤلاء من سجونه ليستخدمهم في عملية المساومة مع الغرب على بقائه، بهدف حماية نظامه وإطالة عمره. من مفارقات هذا الزمن، يبدو أنه صار ضرورياً لمعرفة أسرار الرئيس الأميركي أن يذهب المرء إلى منطقة حارة حريك لاستطلاع الأمر عند «حزب الله». ألم يتفق نصرالله وجون كيري، مثلاً، على التحذير من أن البديل لعدم التفاهم الأميركي الإيراني هو «الحرب». كيري حذر أعضاء الكونغرس ودعاهم إلى رفض زيادة العقوبات على ايران لأن ذلك يهدد الاتفاق الموعود مع الإيرانيين، ونصرالله حذر أهل المنطقة من أن تعطيل مسار المفاوضات سيؤدي إلى الحرب. لقد أصبح أمين عام «حزب الله» يتخوف من الحرب الإيرانية الأميركية، ويرفق تحذيره منها بعبارة «لا سمح الله» لدفع مخاطرها، فيما ايران تعدنا منذ أكثر من ثلاثة عقود بالاستعداد لتدمير «الشيطان الأكبر» إذا تجرأ على منازلتها في أي موقع! سبحان مغيّر الأحوال!