كان إينياسيو- غيدو، أحد أشهر الأطفال المسروقين في عهد الديكتاتورية الأرجنتينية الذي رباه مزارعان، يتساءل دوماً عن سر شغفه بالموسيقى، إلى أن اكتشف أن والده البيولوجي موسيقي. في الخامس من آب (أغسطس) الماضي، أصبح إينياسيو أوربان غيدو مونتويا عندما كشف تحليل للحمض الريبي النووي (دي أن آي) هويته الأصلية. وبعدما تحدث الى جدتيه، علم أنه ينتمي الى عائلة موسيقيين. وقال الموسيقي: «عندما علمت أن جدي كان يعزف الساكسوفون ووالدي آلة الدرامز وجدي الآخر يعشق الجاز، كان اكتشافاً عظيماً بالنسبة إلي وأدركت ساعتها من أين يأتي شغفي بالموسيقى». ويقول «ناتشو» كما هو ملقب، والذي أعطي الى زوجين من المزارعين الفقراء بعدما أعدم عسكريون والديه المعارضين للنظام الديكتاتوري: «كل ذلك يدفعني إلى القول إن الموسيقى كانت راسخة أكثر في هويتي منها في الوثائق». في سن العاشرة، وخلال مشاركته في حفلة فولكلورية في القرية، سحر إينياسيو بعالم الموسيقى، مكتشفاً بشكل مبكر هويته الموسيقية. وجذبه خصوصاً عازف الأورغن الذي أصبح بعد ذلك معلمه. وأوضح عازف الجاز البالغ 36 سنة: «هذا الحدث بدا لي رائعاً وكنت متأثراً جداً. وشكل بداية علاقة (مع الموسيقى) متواصلة إلى الآن». وبعد أربعة دروس في الموسيقى شجعه مدرسه على الاستمرار. ويتذكر آلة الأورغ الإلكتروني الأولى التي اقتناها من ماركة «كاسيو»، موضحاً: «أهلي اشتروا لي الآلة في متجر للمعدات الكهربائية في أولافاريا (على بعد 350 كيلومتراً من العاصمة) بالتقسيط، إذ كان سعرها غالياً جداً بالنسبة إلينا». وفي الريف القريب من أولافاريا، شب غيدو في منزل من دون كهرباء وتلفزيون. وكانت آلته تعمل على البطارية، لكن الكلفة كانت تشكل أحياناً عائقاً أمام تعلمه الموسيقى. في المزرعة كان بإمكانه الدخول إلى مكتبة المالك. وفي منزل صاحب المزرعة وقع نظره على أول آلة بيانو فعلية، فوقف مدهوشاً. وفي المدرسة البلدية كان عدد التلاميذ ثمانية في الصف. وبعد طفولة سعيدة كان يستعد للعمل في مجال البناء والأشغال العامة. ويقول غيدو كارلوتو: «كان والدي يقول لي، بما أننا لسنا ملاكين ستبقى طوال حياتك موظفاً، لذا عليك أن تتابع دروسك لتتمكن من التقدم». وفي تسعينات القرن العشرين، كان قطاع البناء يمر بأزمة فلم يجد عملاً. ويروي: «فكرت يومها بما أنني كنت سأموت من الجوع، فلماذا لا يحصل لي ذلك وأنا أقوم بما أحب؟»، فانتقل إلى بوينس أيرس. في سن الحادية والعشرين جمع ألف دولار، «وكان مبلغا كبيراً بالنسبة لي» لشراء بيانو، لكن في المتجر قال له البائع: «مع هذا المبلغ يمكنك شراء آلة لشي اللحم وليس آلة بيانو» على ما يروي ضاحكاً. وبعد سنوات على ذلك اقتصد ما يكفي من المال ليشتري آلة بيانو مستعملة من ماركة «رونيش» لا تزال موجودة في منزله. وأحيا في مطلع الشهر الجاري في مسرح «ان دي تياترو» في بوينس أيرس حفلة غنى فيها الأعمال الواردة في أسطوانته «موسا ريا» وأعمالاً جديدة هي مزيج من الجاز والفولكلور الأرجنتيني. وقد اشتهر غيدو، وهو مدير مدرسة الموسيقى البلدية في أولافاريا عندما أعلنت منظمة «جدات ساحة أيار» العثور على الطفل الرابع عشر بعد المئة من الأطفال الذين سرقوا خلال الحقبة الديكتاتورية، وتبين أنه حفيد الناشطة البارزة إيستيلا كارلوتو رئيسة المنظمة. ومنذ ذلك الحين تنهال عليه الطلبات لإجراء مقابلات صحافية معه والدعوات من رؤساء واقتراحات لإقامة حفلات.