آلة الأورغن الكبيرة في كاتدرائية نوتردام في باريس، هي محور حفلات موسيقية كثيرة في الذكرى ال 850 لبناء هذا الصرح الكنسي العريق. ويقول العازف فيليب لوفيفر: «انه أشبه بشقة من ثلاثة طوابق مع ثمانية آلاف أنبوب من القصدير والرصاص، لكن لم نعد بحاجة إلى مقابض تحكم تماماً مثل قمرة القيادة في الطائرة». ويضيف العازف البالغ الرابعة الستين وهو يقدم آلة الأورغن الموجودة في الكاتدرائية منذ القرن الثالث عشر، إلى مجموعة صغيرة: «هذه ربع قوته فقط». وفي هذه الذكرى يتوقع أن تجذب الكاتدرائية التي بنيت على امتداد مئة عام اعتباراً من العام 1163، بين 17 إلى 18 مليون زائر من العالم بأسره (14 مليوناً عادة). أما آلة الأورغن الكبيرة فيها فهي تخضع لعملية تنظيف كبيرة. فثمة ثلاثة خبراء هما فرنسيان وإيطالي يقومون بتفكيك كل أنبوب من هذه الأنابيب المصنوعة بنسبة 90 في المئة من القصدير وبتنظيفه على حدة، وصيانة الجزء الإلكتروني منه الذي أضيف إلى العناصر الأصلية، ليوفر للعازف «راحة كبيرة» كما يؤكد لوفيفر. وفي مناسبة يوم الأورغن العالمي، الأسبوع الماضي، قدّمت 850 حفلة موسيقية عبر العالم تكريماً للكاتدرائية. الجزء الأكبر من آلة الأورغن الكبيرة تعود إلى القرن الثامن عشر. ويوضح لوفيفر: «قبل حلول عصر التكنولوجيا، كان ينبغي للحصول على صوت الناي أو البوق خلال العزف، الضغط على 200 إلى 300 مقبض بمساعدة شخصين. أما الآن فنسجل كل الإجراءات الميكانيكية ويكفي الضغط على زر من اجل الحصول في ربع ثانية على أوركسترا من 120 موسيقياً». من هذه الغابة المعدنية تصدر أحياناً أنغام سيزار فرانك، أحد مؤلفيه الموسيقيين المفضلين إلى جانب لوي فييرن (عازف الأورغن في الكاتدرائية من 1900 و1937). ويضيف لوفيفر الذي يعزف منذ 28 سنة مع عازفين آخرين ويدرس في كونسرفاتوار باريس: «البعض أتاه شغف كرة القدم، أما أنا فقد كانت آلة الأورغن». ويوضح: «أتيت مع والدي إلى نوترودام. وعندما سمعت صوت الأورغن تسمرت في مكاني. وعرفت فوراً أنها ستكون شغفي». على يساره ويمينه تنتشر أزرار عاجية كتب عليها «دواسة» و» صدى» و»إيجابي». وفي الوسط مدرجه الخاص مع خمسة صفوف من اللمسات البيضاء والسوداء. وتحت قدميه الدواسات. وتسمح له شاشة بمتابعة ما يجري تحته وصولاً إلى صحن الكنيسة حيث توجد آلة أورغن أخرى أصغر من الأولى يحاورها. ويؤكد العازف أن «مع الأورغن الأصوات تتجاوب مع بعضها بعضاً، كما هي الحال بالنسبة لألوان الزجاجيات. والصوت رهن بالمكان وحجارة نوتردام وحرفيوها هم الذي يؤمنون هذا الصوت المميز». ويقول: «ونحن نرتجل كما هي الحال مع الجاز! إنها موسيقى مقدسة إلا أننا لا نقع في الفراغ حتى عند حصول طارئ». آلة الأورغن الكبيرة هذه كادت تذهب ضحية الثورة الفرنسية، لكن «الثوار انتزعوا الزنابق من القطع الخشبية وكانوا يريدون أخذ الأنابيب لصنع الذخائر، إلا أن عازف الأورغن يومها كلود بالاستر كان قد ألف عملاً حول نشيد «لا مارسييز» وراح يعزفه بجنون الأمر الذي أنقذ الآلة»، كما يقول لوفيفر.