أتدرون أين تذهب ظلالنا عند المغيب؟ تجمعها الشمس وتطويها بعناية فائقة في دواليب الشفق، لتوزعها في الصباح التالي على سكان النصف الآخر من الأرض. أتدرون أين يذهب الفرح حين نكتب نصاً باكياً؟ يأوي إلى ظل السطور، وتندلع على الفور مندبة: تذرف الكلمات الدموع، ويشتد نحيب القلم، ويجهش الحرف، ويتنهد الحبر. أتدرون أين يهرب الحزن عندما تجتاحنا موجة فرح؟ يأوي إلى ركن مهجور في القلب لم تصله خدمات السعادة بعد. درس في الحرية يطأ الظلام بأقدامه الغليظة رقاب أعمدة الإنارة على جانبي الطريق، فتطأطئ رؤوسها ذات الوجوه الزجاجية فوق السواري الحديد بصمت ذليل. كان يحسب أن المشهد درس في العبودية، لولا أنها تضيء. جريمة النُور وما الليل إلا ظل أشجار انحسرت دونها الشمس... والقمر يحرسه. يضن على الظل المشهد فيتساءل في خلده: بماذا أخطأ القمر، حتى أغلق الناس نوافذهم بكل هذه الستائر السميكة؟ مصدر موثوق في غرفة الأخبار: يسألونك عن مصدر القتل. قل آثار الدم، وإن لم تصدق، اسأل الموت. تمويل ألم ترَ كيف تبدأ المذيعة الحصاد الإخباري؟ يبدأ هكذا: 166 قتيلاً في سورية، 12 قتيلاً في اليمن، 6 قتلى في غزة، 4 قتلى في ليبيا. هكذا قتل يحتاج بالفعل إلى تمويل. ماء الابن: مات كل الشجر في حديقتنا يا أبي إلا تلك التي حيرت الجميع باخضرارها المستمر. فما السر يا أبي؟ الأب: هذه الشجرة كان لا يحلو لجديك الوضوء إلا فوق جذعها. الابن: يا لسحر ماء الوضوء! الأب: إن الشجر الذي يُسقى بماء الوضوء لا يموت أبداً يا بني. أمكنة وأزمنة ولأنه كان لا يجد نفسه في الأمكنة، فقد كان عزاؤه الوحيد وجوده الدائم في الأزمنة، فتراه يقاتل من أجل وطن آمن في المستقبل. أول درس في الخيال بعد أن بدأ الطفل المشي بأيام، أخذ يقفز إلى الأعلى رافعاً إصبعه محاولاً ثقب السماء. سأله أبوه: لماذا تقفز هكذا. وبحركات من يديه قال الطفل: كي ينهمر المطر. ففهم والده أن ذلك درس ابنه الأول في تعلم الخيال بوحي سماوي. مآذن في يوم الجمعة تعيد الشمس ترتيب المآذن في فضاء السماء بما يسمح لها بالصلاة. القصيرة في الأمام لتشكل بظلها فرش صلاة للمؤمنين. والطويلة في الخلف لتغمر الفرش ومن عليها بظلالها. ظلال أشياء الجندي المدجج بالسلاح بجوار البوابة الحديد، تراه يحرس وهماً اصطنعه لنفسه. والوهم ليس له إلا الليل يؤنسه. الطفل المشرد الغارق في نومه فوق عتبة البنك الرخام، تحسده كنوز البنك التي لا تتوقف عن الاضطراب من شدة اليقظة خشية عيون السُراق. السحب التي تملأ سماء لا تمطر، تشبه مساحيق تجميل ملأت وجه امرأة عجوز تريد أن تخفي تجاعيد الزمن. دراجة ساعي البريد، تقود عجلاتها رسائل فرح، وتكبحها رسائل حزن. الوردة التي ما زالت متفتحة بعد قِطافها، تقول لكِ إن أشعة الشمس التي ربيتها لا تزال عالقة في بتلاتها. المرأة التي تعلق بناطيل زوجها على حبل الغسيل كي تجف، لو كانت تعلم كم تختزن جيوبها من هموم، لأشفقت عليها من أشعة الشمس. بقع الرطوبة التي تعلو جدران مساكن البسطاء في الأحياء الفقيرة، ما هي إلا أحلام ضاقت بها أسِرّتهم فسبحت لتنام على الجدران. ولأن الشمس رؤوف ببقع الأحلام، فإنها لا تجف أبداً. الشوارع التي لها أرقام، وليس أسماء، تبدو وكأن جغرافيا الوطن قد لفظتها من رحم التاريخ. جنازة وعندما أتقن كل مفردات اللغة تفاجأ بأن الناس لا تتكلم. وحين احترف الكتابة صدمه أن الناس لا تقرأ. فمات صريع القلم، وكفنته الأحرف.