يتوجه رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان اليوم الى المملكة العربية السعودية في زيارة رسمية بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرافقه فيها وفد من المستشارين. وتستمر الزيارة يومين يجري في خلالها محادثات مع صاحب الدعوة وولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز وكبار المسؤولين السعوديين، اضافة الى زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري الموجود حالياً في الرياض. وحرص الرئيس سليمان عشية بدء الزيارة على التأكيد أن لا علاقة للشأن الحكومي بالمحادثات التي سيجريها في الرياض، ما فسره المراقبون رغبة منه في عدم إقحام تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة في اللقاءات التي سيعقدها في العاصمة السعودية. وأكد المراقبون أنفسهم، وبعضهم مقرب من سليمان، ان رغبة الأخير في عدم إقحام المملكة في ملف تشكيل الحكومة الذي هو شأن داخلي ينم عن قراره قطع الطريق على أي محاولة للتعاطي مع الزيارة من زاوية أن الرياض طرف في التجاذبات الداخلية في لبنان حول تشكيل الحكومة وما يترتب عليها من اختلاف في وجهات نظر القوى المحلية المعنية بتأليفها. ولفت هؤلاء الى ان أهمية الزيارة تكمن في الوقوف على معطيات المملكة حول الوضع في المنطقة لما لها من دور ايجابي انطلاقاً من رغبتها في توفير كل الدعم للدولة اللبنانية للحفاظ على الاستقرار. وأكدوا ان السعودية، كانت وما زالت، تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف اللبنانيين وتعتبر أن تأليف الحكومة هو شأن داخلي يقرره الفرقاء في لبنان وأن رئيس الجمهورية مصيب في النأي بالملف الحكومي عن محادثاته في الرياض. ورأى مراقبون، من غير الفريق المقرب من رئيس الجمهورية، ان هناك من يحاول تكبير الحجر لجهة رمي المسؤولية على الرياض في تأخر تشكيل الحكومة، وهو يعرف أن التأخير يتعلق بالاختلاف على دور الحكومة العتيدة وشكلها. واعتبروا أيضاً أن موقف سليمان من عدم طرح مسألة تشكيل الحكومة في محادثاته في الرياض يفترض ان يشكل اطمئناناً لغالبية الأطراف في قوى 8 آذار باعتبار انه ليس ذاهباً لعقد «صفقة» حول الحكومة يمكن ان تكون على حسابهم، ناهيك بأن مسألة تشكيل الحكومة، كما يقول المراقبون أنفسهم، هي من صلاحية الرئيس المكلف تشكيلها وأنه يتشاور باستمرار مع رئيس الجمهورية ليكون في صورة الاتصالات التي يجريها من أجل التغلب على العقبات التي ما زالت تؤخر ولادتها. لذلك يخطئ من يعتقد - وفق المراقبين - ان الحلول للمشكلات العالقة في لبنان ستجد طريقها الى الحل فور انتهاء محادثات سليمان في الرياض، خصوصاً إذا كان من الذين لا تروق لهم هذه الزيارة وكانوا بادروا الى قصفها من خلال الهجوم الإعلامي والسياسي الذي استهدفها. لكن تحييد الزيارة عن الملف الحكومي لن يكون عائقاً أمام استعراض الوضع في المنطقة في ضوء تأكيد سليمان سياسة النأي بالنفس التي اتبعتها الحكومة حيال الحرب الدائرة في سورية وتمسكه بإعلان بعبدا للتخفيف من ارتداداتها على الداخل اللبناني، إضافة الى ان ملف النازحين السوريين الى لبنان سيكون حاضراً بامتياز على طاولة المحادثات نظراً الى عدم قدرة لبنان على تحمل تبعاته المادية. وكانت زيارة سليمان مدار بحث بين الأخير ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على هامش الاجتماع الذي ترأسه الأول في بعبدا مساء أول من أمس وخصص لمواكبة الإجراءات المتخذة لإعادة الهدوء الى طرابلس جراء تفعيل الخطة الأمنية. لقاء بري - ميقاتي يذكر ان اللقاء الذي عقد أخيراً بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري وميقاتي في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة اتسم بالصراحة التامة، وسيطرت عليه الرغبة في كيفية تجاوز الصعاب التي يمر بها لبنان والمنطقة. وعلمت «الحياة» أن ميقاتي الذي عاد والتقى رئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة تبادل مع بري وجهات النظر حول موضوعين أساسيين: الأول يتعلق بضرورة إيجاد تفسير لحدود صلاحية تصريف الأعمال من جانب الحكومة المستقيلة، والثاني يختص بدعوة بري الى عقد جلسة تشريعية في ظل وجود حكومة مستقيلة. وتأكد ان بري وميقاتي تداولا مجموعة من الأفكار حول هذين الموضوعين ولم يتمكنا من الوصول الى اتفاق، لكن كلاً منهما أبدى تفهمه لوجهة نظر الآخر، وبالتالي استعداده لمواصلة التشاور مع ان الاتصالات بينهما مفتوحة ولم تتوقف في يوم من الأيام. ويمكن القول، كما تقول مصادر مواكبة للقاء، إنهما توافقا على أن للبحث صلة وأن الأبواب ليست مقفلة كلياً في وجه امكان التوصل الى نقاط مشتركة. وفي السياق نفسه، قالت المصادر ان بري يقوم بدور فاعل في تدوير الزوايا وينأى بنفسه عن ان يكون طرفاً في الاشتباك السياسي الذي تصاعد أخيراً بين قوى 14 آذار و «حزب الله» على خلفية التهديدات التي أطلقها الأخير. وأكدت ان لدى بري قدرة هائلة على التواصل مع جميع الأطراف الذين يبدون كل انفتاح عليه ويتعاملون معه بمرونة، وبالأخص قوى 14 آذار في ظل غياب أي شكل من أشكال التواصل بين الأخيرة و «حزب الله» باستثناء اللقاء في اجتماعات اللجان النيابية التي لم تنقطع. وكشفت ان بري يتأفف في مجالسه الخاصة من ارتفاع منسوب التوتر في الخطاب السياسي، ويرى ان هناك حاجةً للحفاظ على حد أدنى من التهدئة لمواكبة ما يدور في المنطقة من تطورات وآخرها المفاوضات الجارية حول الملف النووي الإيراني، خصوصاً أن تأثر لبنان بها يستدعي الابتعاد عن النبرات الحامية في الخطاب والانفتاح لتمرير هذه المرحلة بأقل قدر من التأثير السلبي في الوضع الداخلي. وفي المقابل، فإن الرئيس ميقاتي ما زال على موقفه من الدعوة الى عقد جلسة نيابية تشريعية، ويعتقد ان لا بد من التفاهم على الضرورات والأمور الطارئة لئلا تُعقد الجلسة على أساس جدول أعمال فضفاض ومفتوح يمكن ان يؤدي الى تكريس سابقة لجهة امكان التشريع وبلا حدود في ظل وجود حكومة مستقيلة كما أن ميقاتي الذي يتطلع الى ايجاد تفسير من جانب الهيئة العامة في البرلمان لحدود تصريف الأعمال، لا يحبذ فتح الباب على نطاق واسع لتلافي الصعوبة في ضبط ايقاع ما هو مطلوب من حكومة مستقيلة على أساس الضرورة والمصلحة الوطنية.