لا شك في أن الصوم في الصومال الغارق في الفوضى منذ عقدين من الزمن ليس أمراً يسيراً. فهو يشبه صوم المسافر في أرض شبه صحراوية ملتهبة ندر فيها سقوط الأمطار. والصومال المعاصر ما زال بين مطرقة اقتتال أهله، وسندان تردي الحال الإنسانية، ولكن لا بد للحياة من أن تسير.فمن ناحية، ما زالت الحال الأمنية في العاصمة متوترة كعادتها في السنوات الماضية، وما زالت أرواح المدنيين والصائمين تزهق هدراً. والبعض يموت جالساً أمام بيته في هذه الأيام المباركة. وبحسب الأممالمتحدة فإن الصومال يواجه أسوأ أزمة إنسانية مند 1991، ونصف شعبه يحتاج إلى مساعدة عاجلة. ولكن على رغم كل هذه الحال المأسوية التي تدمي القلب وتدمع لها العين، فإن الصوماليين الذين عاشت غالبيتهم الحياة البدوية تعودوا على الضنك والظروف الصعبة. لذا لا يضيف ظمأ رمضان ولا جوعه شيئاً استثنائياً. فالعنف ظلّ مستمراً حتى في شهر الرحمة. لكن الأطفال تحدّوا الأمر الواقع وجالوا في شوارع مقديشو التي أنهكتها الحروب وحولتها إلى خراب. ملأوا الدنيا بصيحاتهم معبرين عن ابتهاجهم بحلول الشهر المبارك. وإذا كان هناك شيء ينتظره الصوماليون بشغف، فهو شهر رمضان. وكأنه يمثل لهم مهلة طال انتظارها أو وقفة لالتقاط الأنفاس، يوقف فيها المتناحرون القتال رحمة بالمدنيين. ولكن الصوماليين ليسوا غارقين في حلم يقظة. إنهم يعرفون أن الهدوء الحذر الذي يسود مناطق كثيرة في البلاد قد ينقشع فور حلول العيد. وعلى رغم ذلك فإن سير الحياة في المدن الصومالية يعطي انطباعاً بأن المواطنين يعيشون في بلد آمن، بلد لم يعرف العنف سنوات. فأكبر سوق في العاصمة، المعروف بسوق «بكارها» ما زال يكتظّ بالمتسوقين، وما زال التجار يجلبون البضائع من كل أنحاء العالم لسدّ حاجات المواطنين الذين تردّد غالبيتهم المثل الشعبي العربي «العين بصيرة واليد قصيرة». أما المساجد في العاصمة ومدن الأخرى، فبدّلت حللها وتهيأت لهذا الشهر بتغيير السجاد وترميم بنيتها وتلميع جدرانها. وناشد العلماء الصوماليون بكثرة الدعاء والتضرع لله أن يعيد الأمن لهذا البلد الإسلامي. كما دعوا المسلمين إلى التحلي بصفات المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم) من الجود والإنفاق على الضعفاء والمساكين، حيث تتجلى مظاهر سخاء الصوماليين في شهر رمضان. ومن البديهي أن ترى شخصاً يُمسك بيد غريب يلتقيه في السوق أو في الشارع، ويدعوه الى الإفطار في بيته. واللافت أن الأسواق في مختلف أنحاء البلاد الرازخة تحت القصف والرصاص، تعجّ بالزبائن والمتسوقين الذين يستعدون للعيد. ولا تسأل من أين وجد هذا العدد الهائل من المتسوقين المال ليشتروا أفضل الملابس والمجوهرات والحلويات. فالأمر محيّر كما هو شأن الصوماليين الذين استطاعوا العيش والصوم في بلد لا يعرف النظام مند عقدين تقريباً.