ما تقوم به الصحف العربية من تبجيل وتعظيم لمغردي «تويتر»، وفرد صفحات لمناقشة ما غردوا به، وطرق التغريد وكيفيته، يذكرني بمقولة سابقة لأحد المفكرين العرب حين قال: «إن العرب ظاهرة صوتية»، هذه المقولة التي نوقشت وأُشبعت نقاشاً، ما زالت محل استشهاد جُل الأطياف السياسية والفكرية. وتتردد على أذهاننا كثيراً، خصوصاً حينما تستفزك الحمية الساخرة للعودة لقصائد ثلاثي الهلال الخصيب: أحمد مطر، نزار قباني، ومظفر النواب، حينما أبحروا في السخرية من الأنظمة طوال عقودٍ من الزمن. واقع الأمر ومع الاحترام الشديد أن عدد المنظرين العرب أصبح يفوق عدد ضحايا تسونامي. المشكلة التي تحدث هي أننا لا نزال في دوامة التنظير والتشريع! ولم نخرج منها للتنفيذ، فعندما تلقي نظرة على المغردين العرب تشعر بأن الفرد العربي يتكئ على إرث عظيم من الكفاح والنضال في ميدان الحضارة الحالي، والذي صهره منذ نعومة أظفاره على أن يكون «حارثاً هماماً» كما في الحديث الشريف، إلا أن الواقع يقول إننا نعقد المؤتمرات العلمية والندوات التثقيفية، ونخطط لمشاريع ضخمة، ونبني لدولة مدنية على طرازٍ عال، وفي الواقع أن ما بُني قد بُني من ورقٍ وميغابايت؟ ومع أول هبة لنسيم الصبا في اليوم التالي يتهاوى، فننظر إليه، ونردد ما قالته الست: «كان صرحاً»! منذ سقوط الخلافة العثمانية، وقيام الدول العربية بمسمياتها الإقليمية وحتى يومنا هذا ما زلنا نتحدث عن كيفية بناء الدول على طراز يواكب الحضارة الإنسانية الحديثة. فيما لم تُبنى دولة واحدة على أساسٍ قويم حتى اللحظة بل إن أول عاصفة هوجاء قد تسلب السلطان سلطانه، وتستبدله بآخر، فيتجدد بذلك النقاش حول كيفية البناء. أما عالمياً، فقد استقلت الكثير من الدول منذ السبعينات حتى التسعينات، وشارف بنيانها على الانتهاء، ولا تزال الدول العربية منذ 1924 تخطط لبناء دولة حضارية متمدنة. ولا يزال المفكر العربي يُنظّر ويُشخّص، فيما يظهر «تويتر» كحاضنة للفكر العربي الجديد، الفكر الذي استغرق صاحبه خمس دقائق بأكملها في بناء تغريدته العجيبة! والتي يستقبلها أصدقاؤه بفرح وحبور وبسيل من إعادة التغريد، فتبتهج الصحف، وتتغنى بالمفكر الجديد، فتفتح صفحاتها، لتجد كل يوم لقاءً مع المفكر العربي الجديد الذي أفنى ستة أشهر من حياته كفاحاً في التغريد. الدول الحقيقية لا تُبنى بالتنظير وحده، ولا تعتبر للفكر اعتباره، ما دام حبيساً للورق، فالتجريب والتفعيل هما ما يقرر صلاحية الفكرة المحتفى بها، بل ويقرر أيضاً الاحتفاء بها من عدمه! أقول هذا للصديق المفكر العربي «الديلفري الإلكتروني» في زمن لا يعترف بالفكرة من دون تنفيذ. أكتب هذا وأنا أفرك رأسي جيداً لأجيب على تساؤلي: هل ما أقوله الآن يُعدّ تنظيراً؟ محمد بن طالب الحربي - نوتنغهام [email protected]