إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    أمانة القصيم تعزز أنسنة المدن من خلال التوسع في المساحات الخضراء    وزير الدفاع الأمريكي : خطط أمريكا لإنهاء الحرب "ليست بالطبع خيانة" لأوكرانيا    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية "إطعام"    تدشين الأعمال التطوعية في المسجد الحرام    انطلاق مؤتمر القصيم السابع للسكري والغدد الصماء بمشاركة نخبة من الخبراء    ليالي الدرعية تعود بنسختها الرابعة لتقدّم تجربة استثنائية في أجواء شتوية    أمير الشرقية يستقبل مدير الدفاع المدني بالمنطقة    وزير الثقافة يلتقي وزيرة الفنون والثقافة والاقتصاد الإبداعي النيجيرية    14.9 مليار دولار استثمارات «ليب 2025»    أمير نجران يُكرِّم مدير فرع المجاهدين بالمنطقة سابقًا    جامعة الإمام عبد الرحمن تطلق المرحلة الثانية من استراتيجية البحث العلمي والابتكار    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية "إطعام"    أمانة الشرقية تحصل على شهادة اعتماد البنية المؤسسية الوطنية NORA من هيئة الحكومة الرقمية    النفط يتراجع وسط تلاشي مخاوف تعطل الإمدادات وارتفاع المخزونات    شركة تطوير مطار الملك سلمان الدولي توقع مذكرة تفاهم مع هواوي لتوفير حلول الطيران الذكي    تعليم مكة يدشن الأعمال التطوعية في المسجد الحرام    زيادة أسعار المنتجين في اليابان بأسرع وتيرة منذ 19 شهراً    برنامج "أمل" السعودي في سوريا.. ملحمة إنسانية ونبض حياة    نائب أمير مكة يشهد تخريج 19,712 طالباً وطالبة في جامعة المؤسس    العاهل الأردني والرئيس الفرنسي يبحثان هاتفيًا المستجدات في غزة والضفة الغربية    «كلاسيكو» الخميس يجمع الأهلي بالنصر    القادسية يجدد عقد مدربه ميشيل    4 حالات لاسترداد قيمة حجز حجاج الداخل    الحلم النبيل.. استمرار للمشروع السعودي    كنز نبحث عنه    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    منطلق حوار للحد من تفشي الطلاق    السعودية" أرجوان عمار" تتوج برالي أبوظبي باها 2025    زحام «النفق» يؤخر الطلاب عن اختباراتهم    التعاون يتعادل مع الوكرة القطري في ذهاب ثمن نهائي أبطال آسيا    5 خرافات عن العلاج بالإشعاع    والدة إلياس في ذمة الله    آل الفريدي وآل أبو الحسن يتلقون التعازي في فقيدهم " إبراهيم "    الكناني يدشّن مهرجان «نواتج التعلم» في متوسطة الأمير فيصل بن فهد بجدة    صلاح يتألق وإيفرتون يفسد فرحة ليفربول بهدف درامي في الوقت القاتل    للمرة الأولى.. حلبة جدة تحتضن سباق فورمولا إي    في ملحق يوروبا ليغ.. بورتو وروما الأبرز.. وألكمار يستضيف غلطة سراي    نادية العتيبي سعيدة بالتكريم    "تعليم شرق الدمام" يحتفي بالفائزين في تحدي القراءة    أمير الرياض يكرم الفائزين في أولمبياد الإبداع العلمي    دوري روشن بين السيتي والريال!!    600 شركة عالمية تفتح مقراتها الإقليمية في المملكة    أمريكية تعتصم أمام منزل خطيبها الباكستاني    "الأوقاف" تدشّن منصة "أوقاف للخدمات الرقمية"    رئيس وزراء باكستان: المملكة صديق موثوق.. ندعم سيادتها وسلامة أراضيها    تحقيق أممي في وفاة موظف محتجز لدى الحوثيين    حكومة سورية جديدة "متعددة الأطياف".. مطلع مارس    إعلاميو "الأوفياء" يطمئنون على الحداد    المدينة والجرس: هنا لندن أو هناك أو... في كل مكان!    حصالة ليست بها قيمة    «فلسطين أرض عليها شعب.. ليست لشعب بلا أرض»    النصيحة السعودية للإقليم!    جدلية العلاقة بين السياسة والاقتصاد!    تعب التعب    التأسيس وتحقيق رؤيتنا المثلى    رأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة.. أمير المدينة: رفع مستوى الجاهزية لراحة المصلين في المسجد النبوي    مملكة الأمن والأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنظيم «الإخوان»... وصمة جديدة ومستقبل غائم
نشر في الحياة يوم 04 - 11 - 2013

منذ إطاحة حكم الإخوان في مصر والتحليلات تترى حول مستقبلهم السياسي والتنظيمي. وكان دخولهم في صراع مفتوح مع الدولة أولاً، ثم مع المجتمع ثانياً، سبباً في أن يذهب كثير من التحليلات إلى أنهم بذلك يكتبون نهايتهم بأيديهم، وإن كانت آراء أخرى تحفظت بطرح سيناريوات يفترض أنها تتشكل في ضوء تطور الأحداث وتفاعلاتها. وكنتُ واحداً من الذين انحازوا إلى فكرة السيناريوات البديلة (جريدة «الحياة» في 24/ 8/ 2013)، وربما يحتاج الأمر الآن إلى مزيد من التأمل في ضوء الأحداث والتطورات المتلاحقة التي حدثت خلال فترة وجيزة.
الحقيقة أن التنظيمات السياسية - بخاصة تلك التي تتبع طرائق متشددة في توافد العضوية، وضبط الاتصال داخل التنظيم، والتأكيد على المذهبة الفكرية فيه - لا تموت بسرعة وتقاوم طالما انفتح أمامها طريق للمقاومة. لكن الظرف الذي تعيشه جماعة الإخوان هذه الأيام يضع التنظيم على المحك، ويجعل استمراره عملية شائكة وضبابية ومحاطة بالمشكلات. فهذا الظرف يحتوي على أربعة أبعاد مهمة أحسب أنها تساهم في وضع التنظيم في مأزق طويل الأمد قد لا يستطيع الخروج منه بسهولة، وتجعل آفاق المستقبل غائمة وضبابية.
البعد الأول: يتصل بتوسيع دائرة العنف ونوعيته ومراميه. فلم يعد العنف الذي تستخدمه الجماعة عنفاً يصاحب التظاهرات والحشود التي تنظمها، بل أصبح عنفاً أشبه بالإرهاب المنظم الذي يتخذ طابعاً سياسياً، ويرمي إلى تحقيق أهداف محددة منها زرع الخوف في نفوس الجماهير، وإضعاف السلطة القائمة، وإرباك أفعالها السياسية، وتفكيك الجبهة الشعبية الصلبة وتشويه الصورة في الخارج. لقد أصبح العنف ظاهراً وصريحاً لا يقتصر على صور الإرهاب في الأطراف البعيدة مثل سيناء، بل أصبح يمارس في قلب المدن (يمكن الإشارة في هذا السياق إلى حادث كنيسة الوراق الذي وقع في 20 تشرين الأول/ أكتوبر2013)، وفي الجامعات التي لم يخل يوم فيها من تظاهرة أو عنف تمارسه ثلة قليلة من طلاب الإخوان، هذا فضلاً عن تنويع أساليب العنف والإسراف فيه إلى حد كبير.
أما البعد الثاني: فيرتبط بما يمكن أن نسميه العنف المعنوي أو الرمزي الذي تمارسه الجماعة من خلال ترويج الشائعات، وبث الأخبار المغلوطة، وتشويه الصور الذهنية حول بعض القادة أو النشطاء السياسيين، والتضليل في ما ينسب إليهم من اتهامات، فهم قد يرتكبون فعل العنف ويبثون الشائعات بأن آخرين هم الذين قاموا به، وقد يتهمون قوات الأمن أو الجيش بذلك، ويستخدمون في خطابهم عبارات وشعارات ترمز إلى عداء ظاهر، لا مع الحكومة والجيش فقط، بل مع كل من يعارضهم من جموع الشعب. ويهدف هذا النوع من الترهيب المعنوي إلى توسيع دائرة المتعاطفين وإلى تشويه صورة الأطراف الأخرى.
ويتعلق البعد الثالث باتساع صور العداء ضد الجماعة وممارساتها، ذلك العداء الذي يتخذ صوراً عدة أقلها المقاومة التي تقوم بها جماعات من الشباب الذين يتصدون لتظاهرات الجماعة، والعداء الذي يظهر عبر وسائل الاتصال الجماهيري والاجتماعي وفي الخطاب اليومي لعموم الناس الذين يريدون لحياتهم استقراراً ولوطنهم أمناً ولأولادهم طمأنينة.
أما البعد الرابع فيتصل بالوصمة التي بدأت تعاود الظهور، أقصد استخدام كلمة «المحظورة» للدلالة على الجماعة؛ وهي الوصمة التي بدأت تنتشر على نطاق واسع بعد صدور حكم المحكمة في الثالث والعشرين من أيلول (سبتمبر) 2013 بحل جمعية الإخوان المسلمين وحظر نشاطها ومصادرة ممتلكاتها. ودلالة ذلك أن الجماعة تواجه أزمة تاريخية كبرى، تختلف جوهرياً عن أزمة حل الجماعة في عامي 1948، 1954. لقد كان قرار حل الجماعة في هذين التاريخين قراراً سياسياً، أما هذا القرار فإنه قرار قانوني تم بطلب من الناس. وأكاد أنظر إلى هذا الأمر على أنه تحول نوعي لا في موقف الحكومة من الجماعة فحسب، بل في موقف الشعب من الجماعة. فتدخل القضاء في الأمر يؤشر - بدرجة ما - إلى تحقيق مطلب شعبي، وإلى رد الأمر إلى نصابه.
وفي ضوء هذه الاعتبارات يتحدد مسار للأحداث تبدو فيه آفاق المستقبل وكأنها توشك على أن تمتلئ بالغيوم والضباب، في الوقت الذي يعاود فيه لفظ «المحظورة» يلاحق الجماعة ويدمغها بوصمة جديدة. فالمحظورة اليوم ليست جماعة تطل على المجتمع بوجه إنساني وروحاني، لكنها تطل على المجتمع من فوهة البندقية وطرف العصا و «سفلة» الكلام.
ويلعب التفاعل بين النتائج المترتبة على ممارسات الجماعة ورد فعل المجتمع تجاهها دوراً في تعميق هذا المسار الجديد للحوادث. فممارسات الجماعة المادية والمعنوية تكشف نتيجتين تدعمان مسار الوصمة والضبابية الذي نتحدث عنه: الأولى الجمود أي غياب روح المرونة، وعدم التفاعل الخلاق مع متغيرات الحوادث، وعدم قراءة التاريخ قراءة صحيحة عبر الركون إلى دعم القوى الخارجية الذي قد يكون له مصالح ومآرب غير وطنية. والثانية غياب الوطن الذي تعاطف أهله مع الجماعة ومنحوها الثقة. هذا الوطن يفلت من الجماعة يوماً بعد يوم، فيصير بينها وبينه بون كبير. يتسع هذا البون كلما أدركت جماعات أوسع أن «الوطن» لا يمثل قط مساحة في فكر الجماعة، وأن الوطن يضرب كل يوم في قلبه عندما يموت جندي أو مدني بقنابل الإرهاب، وأن عين الجماعة على «الكرسي» أكثر من الوطن، وأن الجماعة «أذن» لقوى لا تبغي للوطن خيراً بحال.
أما عن رد فعل المجتمع فإننا نستطيع أن نتلمس نتيجتين تؤديان إلى تدعيم هذا التباعد. الأولى الوعي الذي يتزايد يوماً بعد يوم بإدراك العلاقة المغلوطة بين الدين والسياسة، وما قد يترتب عليها من التضحية بالتاريخ والجغرافيا ودم البشر. وعلى رغم أن هذا الوعي لا يحل محله وعي بإدراك سليم للعلاقة بين الدين والسياسة أو بين الدين والحياة إلا في النزر اليسير، إلا أنه يؤدي إلى تعميق الاتجاه العدائي نحو كل من يستخدم الدين وسيلة لتحقيق أغراض سياسية أو للتضليل. والثانية الوعي بأهمية الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني، واستدعاؤه على عجل. فالوعي بأهمية الاستقرار والرغبة في تحقيقه بأقصى سرعة يدفع الناس إلى كراهية كل ما يحطم هذا الاستقرار أو يؤثر فيه، ولا شيء أكسر للتفاعل وأحطم للاستقرار من الإرهاب الذي تترد أصداؤه هنا وهناك مرتبطاً باسم الجماعة أو أنصارها.
وفي كلا الموقفين - موقف الجماعة وموقف المجتمع - تكون النتيجة المنطقية تباعداً، يرتبط في المخيلة الشعبية بتكريس للفارق بين من يريد الاستقرار ومن يريد الفوضى، من يريد لمصر المستقبل الآمن ومن يريد لها الدخول في نفق مظلم وفي مستنقع التفكيك. والجديد في الأمر أن هذا التباعد لا يولد انقساماً، بل أنه يولد تهميشاً لوضع الجماعة وتنظيمها والدور الذي يمكن أن تضطلع به في المستقبل.
التباعد هنا لا يحدث بين قوى سياسية متنافسة، لكنه بين وطن يسعى إلى أن يكمل الطريق نحو بناء يحقق الاستقرار والأمن والديموقراطية، وبين جماعة - أو جماعات - تؤجج الصراع من أجل استعادة وضع لا يمكن استعادته وإن بشق الأنفس. ورغم أن الوطن يفتح ذراعيه دائماً نحو كل المواطنين، فإن الجماعة - بأفعالها وخطابها - تهرب من الوطن، وتختار السير على الهامش وفعل كل ما يقلق الوطن. فماذا عسى أن يكون أفق المستقبل أمام الجماعة إذا لم يكن العمل بكل وسيلة على غلقه وتحميله بمزيد من الغيوم والضباب؟ وماذا عسى أن تكون صورة الجماعة إن لم تكن صورة الجماعة المحظورة التي تدركها وصمة الشعب ومقاومته لها؟ وكيف يتسنى للجماعة الخروج من هذا المأزق التاريخي الكبير: هل تبيع نفسها من جديد؟ ومن يشتري يا ترى؟
* أستاذ علم الاجتماع السياسي - جامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.