يتلمس القارئ في كتاب اللواء الطيّار عبدالله السعدون «عشت سعيداً» روحاً صادقة تختبئ وراء الحروف، إذ امتطى صهوة القلم في وقت تثقل فيه النفس بالكتابة، ليقف على أطلال ماضيه، وينقل تجربته من أرض الميدان إلى صفحات الكتب، كونه عاش بين جيلين متباينين، فجسد ذلك في كتابه. رغم أنه شارف الستين عاماً، إلا أنه يحمل في جنبات كتابه الجديد (صدر عن المركز الثقافي العربي) روح متوثبة، تبعث الأمل وتزيد النفس عزيمة وإصراراً. يؤمن بأن النجاح مثل «قمة الجبل»، يحجبها الضباب، لكنها واضحة لمن يثابر ويطيل النظر ويرفع بصره عالياً، مشدداً على أن الطريق إليها ليس باليسير، في حين أن أكثر الناس يعيش على السفوح. اللافت في سيرة السعدون أنه رجل قاد الطائرة قبل أن يقود السيارة، إذ انتقل من دراجة الأطفال ليحلق في السماء، ليقفز على المراحل ويحقق ذاته سريعاً، بعد أن عاش اليتم في أول حياته. الحياة العسكرية في الأغلب لا تتيح للمرء أن يكون مطلعاً على الشؤون الثقافية، إلا أن السعدون يحمل في داخله روح المثقف المتسامح مع الجميع، وانضباط العسكري الغائر على وطنه. يقول في مقدمته: «طريق النجاح بحاجة إلى مؤن من الحب والتسامح والمعرفة والانضباط، ومن يريد النجاح عليه أن ينظر أبعد من موطئ قدميه». في إحدى في فصول كتابه الذي يصل إلى 450 صفحة، تناول بعض طلائع الصحوة الذين انضموا إلى القطاع العسكري، وأشار إلى أنهم طيبين ومميزين في العمل، لكن برمجتهم المبكرة تجعل التغيير لديهم مستحيلاً، يقول: «كان شباب الصحوة من خيرة الشباب، وكان من الممكن أن يقفزوا بالوطن إلى مصاف الدول المتقدمة، لو اتجهوا للمستقبل بعلومه بدلاً من الركون إلى الماضي الذي لم يحسنوا الإفادة من جوانبه المضيئة، واكتفوا باجترار تناقضاته وهمومه». وأضاف: «من صفاء معدن جيل الصحوة، وحبهم للخير، توجههم إلى جبهات القتال، وتعريض أنفسهم للهلاك... لكنهم لم يعلموا أن ما يظنونه جهاداً كان لعبة دولية كبيرة، جعلت من دول العالم الثالث رقعة شطرنج»، وأشار إلى لكل زمان جهاده وأن الجهاد في هذا الزمان في مراكز الأبحاث وبين رفوف المكتبات وما تحويه الحاسبات وما يجري في معامل الجامعات. كان فصل طلائع الصحوة، ليس فحوى الكتاب، وإنما محطة من محطاته التي توقف عندها، إلى بقية المحطات بدءاً من مرحلة الطفولة وانتهاءً بتقاعده. في فصل «من الدراجة إلى الطائرة» الذي جعله العنوان الصغير لكتابه، تحدث عن بدايته في الطيران، وكيف كان يعاني من مدربه الذي يشرح له أن الطائرة في الأرض مثل السيارة، إلا أن المدرب لا يعلم أن اللواء السعدون لا يعرف قيادة السيارة، لذا كانت ردت الفعل لديه قوية. بعد أن تخرج وفاز بالمركز الأول مع مرتبة الشرف الأولى، أراد أن يذهب إلى والدته ويخبرها، وفي قريته حنّ إلى رعي الغنم وحين رآه أخاه يرعى الغنم قال: من ينال مرتبة الشرف الأولى لا يرعى الغنم، فكان رده: «نشأت في هذه البيئة وبين هذه الجبال وأوديتها، وما ترسمه من لوحات جميلة طالما متعتني بمنظرها الآخاذ، وتعلمت منها حب العمل والناس واحترام البيئة... لن أمل منها ولا من أناسها الطيبين سأعود إليها لأرعى الغنم!». لم يقتصر الكتاب على سرد المواقف التي مر بها المؤلف، وإنما يمزج ذلك بأبيات من الشعر، وبعض من المقولات التي تمتاز بالحكمة والخبرة في الحياة، لذا لا يمل القارئ من تقليب الصفحات، ليضيف إلى رصيده خبرة، ومعلومات مغيبة في الوقت الحالي، إذ يتناول بعض المعلومات والفوائد، والآليات التي يرسم بها الفرد أهدافه بشكل موجز أو يضمنها جزءاً من تلك القصص، فيمزج الفائدة بالقصة، ليسهل التهامه فتكون لقمة سائغة للقارئين، بدون إطالة مملة أو كلمات إنشائية، لا تمنح القارئ معلومة ولا تحفظ له وقته.