يستقبلك رئيس مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم «وايز» الشيخ الدكتور عبدالله آل ثاني في مكتبه في المدينة التعليمية في الدوحة كأنه يكمل لقاء بدأه بالأمس ولم يتسنَّ لكما استكماله. يبتعد عن «الشكليات والرسميات» ليتمكن من التطرق إلى ما يسميه «مواضيع حساسة في الأكاديميا»، ويدعو رؤساء الجامعات العربية إلى الابتعاد بدورهم عنها ليتمكنوا من التداول بشفافية في شؤونهم ويبحثوا «كزملاء فعليين» عن حلول لمشكلات التعليم. يتحدث بحماسة كبيرة ولغة مطعمة بالإنكليزية، عن مواضيع المؤتمر الذي يريده «منصة نقاش وتلاقٍ»، ويمر على أعداد المشاركين التي تنمو باضطراد ومشاريع أثبتت نجاحها، وأخرى لم توفق، متوقفاً في شكل خاص عند عناوين ومبادرات «عزيزة على قلبه» على ما يقول، لأنها تمس «كل أسرة وكل بيت وكل طفل». «الحياة» التقت آل ثاني للحديث عن «وايز» والمبادرات التي يحملها لمناطق فقيرة وأخرى تمزقها النزاعات، وتحديات التعليم في عالم يتسابق فيه الأساتذة والطلاب مع التكنولوجيا. هنا نص الحوار: «وايز» تجاوز المراحل التأسيسية أو التجريبية وبات يعتبر حدثاً راسخاً. ما هي التحديات التي يواجهها مؤتمر سنوي بهذا الحجم؟ - تحديات المؤتمر من تحديات التعليم وهي كثيرة ومن سنة إلى أخرى، هناك مستجدات متزايدة تطرأ، خصوصاً أن التكنولوجيا تتطور بسرعة، لذلك فإن ثيمة المؤتمر هي «الابتكار في التعليم» لأننا نحاول دائماً أن نتطرق إلى الطرق الحديثة والابتكارات الجديدة في التعليم. ومن تلك المستجدات التي نحاول اللحاق بها، أن نظام التعليم في الغرب يعتمد في شكل متزايد على نظام التعليم الإلكتروني الذي بدأت أيضاً تطبيقه جامعات كبيرة وانضم إليه أشخاص كثيرون. ثم هناك نظام ال flip classrooms أي طريقة جعل الطالب يطالع الدرس في البيت ويأتي إلى المدرسة أو الصف ليستغل الوقت في المناقشة وطرح الأسئلة على المدرس فتحصل العملية التعليمية في شكل معكوس وبعيد من التلقين. هذه أشياء تتغير وتتطور و«وايز» بدوره يتطرق إليها، هذا إضافة إلى المواضيع الثابتة والتي تتكرر سنوياً وهي عزيزة على قلوبنا كثيراً، وأعني تحديداً ثيمة «التعليم في مناطق النزاع»، وصاحبة السمو (الشيخة موزة بنت ناصر المسند) معنية كثيراً بهذا الجانب، حتى إن مبادرة «علم طفل» تندرج في هذا الإطار تحديداً. لكن التحديات التي تواجه أي مؤتمر أو منصة نقاش هي كيفية الاتصال من سنة إلى سنة والعمل كفريق بين مؤتمر وآخر. فهل ينتهي التواصل بين المشاركين أم يستمر وينمو؟ طبعاً نحن ننظر إلى جمعيات الخريجين والمشاركين وملاحقة المشاريع المطروحة بكثير من التفاؤل، ونحاول قدر المستطاع أن نتابع عملهم خلال السنة. مثلاً نحاول أن نعرف كيف استثمر الفائزون في الجوائز الست التي نمنحها كل عام هذا النجاح. ماذا فعلوا بالاهتمام الإعلامي والإعلاني الذي حصلوا عليه؟ وكيف استخدموا شبكة العلاقات والموارد التي يوفرها لهم «وايز»؟ فنلاحظ مثلاً أن بعض المشاريع تم تطبيقها في أماكن أخرى من العالم، أو بنى أصحابها شراكات مع أصحاب مشاريع مكملة أو منهم من يوسع أعماله. أيضاً، نحن نجمع في مشاريع القيادة رؤساء الجامعات الذين عينوا حديثاً، وهؤلاء نقيم لهم ورش عمل خاصة على هامش المؤتمر لتبادل الخبرات. مثلاً عندما يأتي رئيس جامعة من الهند ولديه آلاف الطلاب لا شك في أن لديه ما يقوله لزملاء من مناطق مختلفة في العالم. هذا العام غيرنا الموعد الذي كان قبل شهر أو شهرين من انعقاد «وايز» وجعلناه قبل يوم فقط ليتمكن هؤلاء من المشاركة أيضاً في «وايز». انطلاقاً مما أسميته موضوعاً عزيزاً، أي التعليم في مناطق النزاع، إذا ابتعدنا عن السياسة وبقينا في الجانب الإنساني - التعليمي، هناك كارثة في سورية. إلى أي درجة «وايز» معني بهذه المسألة؟ - كما قلنا في البداية، مبادرة «علم طفل» التي أنشأتها صاحبة السمو السنة الماضية تهتم بهذا الموضوع في شكل كبير وبنت شراكات مع مجموعات تعليمية ينقصها التمويل، لكنها تملك الخبرة وتعرف كيف تدخل إلى المناطق وتصل إلى المتضررين. أنا واثق بأن عدداً من المبادرات المشابهة التي تعنى بتعليم الأطفال سيتناول هذا الموضوع، لا سيما أنها سبق وعملت في باكستان وهايتي مثلاً ولا سبب يمنع من مساعدة بلدان عزيزة علينا ونحن معنيون مباشرة بها، هذا من جهة. من جهة ثانية وعلى المستوى الجامعي، نحن فتحنا باب المنح الدراسية في المدينة التعليمية للاجئين في شكل خاص على الحدود اللبنانية والحدود الأردنية كما نقدم لهم الدعم المادي ليكونوا هنا. أيضاً، تم تشكيل لجان مختصة لمتابعة شؤونهم، لكن هذا يتم على مستوى الدولة القطرية، وهو خارج نطاق عمل المؤتمر الذي يكتفي بمناقشة هذه المواضيع وعرض المشكلات ومحاولة تقديم حلول. لكن هذه مشكلة أكبر من مؤتمرنا وأكبر من أن تتحملها أو تحلها مبادرة واحدة لأن العدد بالملايين للأسف، ومشكلة الدعم ليست فقط مادية، وإنما أيضاً في خبرات الأشخاص وقدرتهم على العمل وإمكان فتح صفوف وبنائها عدا عن الأوضاع النفسية للأطفال المنفصلين عن أهلهم وظروف اللجوء بحد ذاتها. بالعودة إلى «وايز»، يبدو كأن الانخراط يقتصر على القادة ولا يشمل المعنيين المباشرين بالعملية التعليمية، أي الطلاب. لماذا؟ - لا بالعكس، عندنا «صوت المتعلمين» وهي مبادرة تهدف تحديداً إلى إشراك أصحاب العلاقة المباشرين فكيف نخدم المتعلمين إذا لم نشاركهم في القرار؟ وهذه الفكرة بدأت منذ السنة الأولى للمؤتمر حيث كان عدد الطلاب المشاركين حوالى 8 والآن تجاوزوا 30 وباتوا يشكلون مجموعات مناصرة وشاركوا في مؤتمرات عدة في الأممالمتحدة وجامعات عالمية... وأقمنا لهم ورش عمل وتدريب للتفكير في واقعهم التعليمي ليتمكنوا من بناء تصور أفضل للسمتقبل. وهذا أيضاً من المواضيع المهمة بالنسبة لنا. كما أن لدينا الكتاب الذي يصدر سنوياً منذ الطبعة الثالثة للمؤتمر ويتضمن المشاريع المهمة التي لم تحظ بالفوز بجائزة أو بتسليط الضوء عليها في شكل كاف خلال المؤتمر، فتوضع في كتاب لتكون وثيقة دائمة بين أيدي المتابعين. في شكل عام نحاول أن نطور نقاطاً كثيرة في كل عام وفق المشاركات والاقتراحات التي تصلنا لأننا واثقون بأن ثمة ما يحصل في الكثير من البلدان ويفوتنا الاطلاع عليه، لهذا نحاول قدر المستطاع أن نكون منصة لتبادل الخبرات والتجارب. ومن الأشياء التي تطرقنا إليها العام الماضي مواضيع حول أحدث طرق التعليم والتي لا تأخذ حقها لهذا قررنا أن نقيم هذه السنة «مجموعات عمل مركزة» focus session للتداول في آخر الأساليب المبتكرة ونعطي المشاركين فرصة أكبر للنقاش. هل وصلنا إلى ما نحلم به؟ طبعاً لا، لكن ما حققناه حتى الآن جيد ويجعلنا سعداء جداً به. ما هي المواضيع التي تخليتم عنها بعد خمس سنوات؟ ربما أعدتم النظر فيها، وقررتم اعتماد مقاربة مختلفة. - في كل سنة، بعد المؤتمر نقوم بدراسة لتقويم ما تم إنجازه خلال المؤتمر ونفكر في المناطق التي كانت فيها مشاركة كبيرة أو أخذت حيزاً من الاهتمام على حساب غيرها مثلاً أو المناطق التي فيها أعداد وحالات كثيرة لكن مشاركتها ضعيفة. ونفكر لماذا حصل ذلك؟ وكيف يمكن التشجيع على المشاركة؟ هناك مناطق كاملة مثلاً لا تشارك أو تكون شبه غائبة تقريباً، وأقول بأسف إن المشاركة من العالم العربي ضعيفة عموماً. لكن، لدينا للمرة الأولى مشاركة من أستراليا ونيوزيلندا ولدينا مشروعان فائزان أيضاً من العالم العربي أحدهما من السعودية. ونحن سعيدون بهذا الإقبال. وفي الواقع المشروع السعودي مهم جداً لأنه يبحث في كيفية تشجيع الطلاب على الدخول في مجال الSTEM (science technology engeering and maths) لأن هناك عزوفاً عن التوجه إلى هذه المجالات مقابل إقبال كبير على اختصاص إدراة الأعمال. ما نفكر فيه أيضاً هو كيفية ربط النقاش النظري في المؤتمر بالجانب العملي التطبيقي على أرض الواقع، وكيف ينعكس على تعليم الطالب في الصف فهذا هو أهم شيء بالنسبة لنا، وهدف إقامة هذه المؤتمرات. ولا أعتقد أن أحداً يملك إجابة محددة عن هذا السؤال. مسألة أخرى تداركناها هي مشاركة القطريين في المؤتمر من طلاب وأساتذة وباحثين، فوصلنا شيء من العتب، إن مؤتمراً كهذا يقام هنا وهو مغلق، فقررنا فتح باب المشاركة لكل الراغبين في «وايز». الآن كل مدرّس أو طالب راغب في الحضور فهو مرحب به، كذلك ربطنا الجلسات مباشرة بالموقع الإلكتروني لمن يرغب بالمتابعة عبر النت. ما تم تطويره أيضاً عن السنوات الماضية أنه سيكون لدينا اجتماعات لرؤساء الجامعات في الوطن العربي ولدينا 16 رئيس جامعة سيتداولون في «دور البحث العلمي في الدراسة الجامعية». وسنستغل حضورهم أيضاً في برنامج القادة وستشارك فيه قطر. هذه الأشياء نبحث عن طريقة تنفيذها على أرض الواقع، لأننا نعلم أنه لا يمكننا تنفيذ كل شيء من تلقاء أنفسنا لكن، يمكننا على الأقل المساهمة في تهيئة الظروف المناسبة. وفكرنا في إمكان إنشاء تجمع لرؤساء الجامعات العرب ليتمكنوا من التداول الدائم في شؤون جامعاتهم والتحديات التي تطرح عليهم بعيداً من الشكليات الرسمية والبروتوكولات الوزارية، بل كزملاء فعليين وشركاء في إيجاد حلول لأمور قد تبدو حساسة... حصل اجتماع في الكويت منذ عام تقريباً وكان صريحاً وبعيداً من الإعلام فتمكن الجميع من الحديث بصراحة، وهذا ضروري جداً. ما الذي يعتبر «مواضيع حساسة» في مجال الأكاديميا؟ - التنافس غير المنظم مشكلة فعلية. فالتنافس في شكل عام جيد، لأنه يحفز على مزيد من الإنتاج والابتكار وبناء مستقبل أفضل. لكن المشكلة تظهر مع استقطاب الهيئات التدريسية من جامعات زميلة. فجذب الطاقات والكفاءات من المنطقة بطريقة غير تشاركية ولا استشارية يسبب أزمة في بعض القطاعات. نحن نعمل في منطقة صغيرة وحيز الخيارات المتاح صغير لذلك لا مفر من التعاون والتبادل بيننا وهذا ينطبق على الطلاب أيضاً. مثلاً لدينا حب للجامعات الغربية فنقيم شراكات وتبادل طلاب معها حصراً ولا نتبادل أو نبتعث الطلاب بين البلدان العربية، مع العلم أن هناك دراسات معينة لن يستفيد منها الطلاب في بلدان خارج المنطقة، منها اللغة العربية، والدراسات الإسلامية والقانون وغيرها، فربط التعليم النظري على واقع الحياة المعيش مفيد جداً. إذا أجرى خريج طب مثلاً فترة التدريب في مستشفى جامعي محلي فهو يتعلم أيضاً كيفية التعامل والتعاون مع المريض بناء على خلفيته الاجتماعية والثقافية. هذه أمور بسيطة لكنها مهمة للغاية. نقطة حساسة أخرى، لماذا نتنافس كلنا على موضوع بحثي واحد؟ لماذا نهدر الطاقات والأموال في أعمال متشابهة ولا نتوزع المهمات وفق الاختصاصات؟ كيف يتم اختيار 6 مشاريع فائزة بين عدد كبير من المشاركات؟ - كنا نتوقع أعداداً قليلة فإذا بها تفيض عن انتظاراتنا. بات يصلنا حوالى 400 مشروع سنوياً، بينما بدأنا بحوالى 30 فقط. الشرط الأول هو ملء الاستمارات في شكل كامل وتقديم ملخص عن المشروع وعرض صغير عنه ومطابقته مع لائحة المعايير. عندما تتخطى المشاريع هذه المرحلة الأولية للتقدم، وهنا نتحدث عن الجوائز الست، تذهب إلى لجنة أولى، تختار منها لائحة مصغرة (20 أو 26) تعتمد عليها اللجنة النهائية لاختيار الفائزين الستة. نعلم أنهم كلهم جديرون بالفوز. والنقاشات تستمر يوماً أو يومين ندقق خلالها في المعلومات ونجري اتصالات بأشخاص في بلدان المشاريع المتقدمة للتحقق من بعض التفاصيل، وللأسف أحياناً لا ننجح في ذلك. مثلاً كان لدينا مشروع مهم جداً ولديه مشكلة تمويل وأصحابه بانتظار قرار من الحكومة لتمويله، وأنا واثق بأنه سيناله لكن هناك احتمالاً ضئيلاً ألا يحدث ذلك فلا يطبق المشروع. لذا، لا يمكننا منحه جائزة وهو قد لا ينتقل إلى حيز التنفيذ، وهذا يسبب لنا بعض الإحراج. نواجه مشكلة مثلاً في المشاريع المقدمة من البلدان العربية حيث لا تملأ الاستمارات في شكل احترافي فتبقى بعض الخانات فارغة ما يقلل فرص الوصول إلى اللائحة المصغرة، وإن كانت المشاريع جيدة. لذلك، أنشانا مجموعة دعم لمساعدة الأشخاص على تقديم طلباتهم وفق المعايير، وربما يحالفهم الحظ العام المقبل. لكن، يبقى المعيار الأساسي والمهم بالنسبة لنا هو تأثير المشاريع في أكبر عدد ممكن من المستفيدين، والقدرة على الاستمرار، وسد حاجة معينة في المنطقة التي ينفذ فيها المشروع، وطبعاً الجانب الابتكاري والتحديثي في إيجاد الحل. مثلاً السنة الماضية ركزنا على مسألة تمويل التعليم في المشاريع وهذه السنة نركز على «الوصول إلى التعليم»، أيضاً يهمنا الشراكة بين القطاع الخاص والعام. وماذا عن الفائز بالتقدير أو الذي يتم تكريمه؟ (Laureate) - طبعاً، هذا أصعب لأنه أولاً يتناول شخصية وليس مشروعاً، كما أنه يتم ترشيحه أو اقتراحه بناء على أعماله ولا يرشح هو نفسه كما بالنسبة إلى الجوائز الست وتلك فيها مبلغ مالي معين يستخدمه البعض لتمويل المشروع نفسه، أو للحملة الإعلانية. أما هنا، فأحياناً لا يعلم الأشخاص حتى إنه تم ترشيحهم وبعض الأسماء تتكرر. لكن، عموماً الاختيارات موفقة جداً. وتنصب غالبية النقاشات في هذه الحالة على التوفيق بين مختلف القطاعات التي تجتمع بالشخصية المرشحة. فهناك من يدعم التعليم من منطلق بحثي أو تكنولوجي أو مالي. فهل الموضوع تعليمي محض أم اقتصادي مثلاً؟ هذه نقاشات تدور بين أعضاء اللجنة قبل اتخاذ القرار النهائي. وبالطبع ممكن أن تكون مجموعة أو فريق عمل خدم التعليم ل20 أو 30 سنة مثلاً، وليس بالضرورة شخصاً واحداً. ما طموح «وايز»؟ - أتمنى أن يصبح «وايز» الملتقى التعليمي (وأشدد على أل التعريف) في المنطقة. عندما ناقشنا الفكرة مع صاحبة السمو منذ خمس سنوات، قلنا لماذا هناك عنوان لمؤتمر الاقتصاد هو دافوس ولا يكون هناك مؤتمر يعنى بقضية تمس كل بيت وكل عائلة وكل طفل كالتعليم؟ ونطمح لأن نرتقي إلى مستوى عالمي حقيقي ونصبح مرجعاً لكل من يود الاطلاع على قضايا التعليم وخدمتها... نحن لا نزال في سنتنا الخامسة لكن المؤشرات تدل على أننا على الطريق الصحيح حتى الآن.