الرقم مرعب: حوالى 15 في المئة من التونسيات يدمنّ المخدرات بأنواعها. يبدو الرقم غريباً في بلد لم يتعوّد أهله على مثل ما وصل إليه اليوم، لكن الرقم حقيقة مرّة. يقول الدكتور عبد المجيد الزحّاف، رئيس «الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات»، إنّه لا توجد أرقام رسميّة حول المدمنين عموماً، لأن المسألة صعبة وتتطلّب دراسات ميدانية وصبراً». لكنه يؤكد أن العدد مخيف بعدما زاد الوضع سوءاً عقب 14 كانون الثاني (يناير) 2011، تاريخ هروب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. تتحدث الأرقام عن نسب تترواح بين 5.15 في المئة من التونسيات اللواتي أدمنّ المخدرات، وهي نسبة مرعبة فعلاً في بلد عربي. تعترف أميمة (18 سنة) بالأمر، قائلة: «بدأت علاقتي ب «الزطلة» (القنّب الهندي) منذ سنة حين رافقت إحدى صديقاتي إلى حفلة عيد ميلاد صديقها. وهناك عرضوا عليّ أن أجرب معهم تدخين سيجارة، ففعلت من دون تردد، بدافع الفضول لا أكثر». وتضيف: «ذلك الفضول جعلني اليوم مدمنة حقيقية، إذ لا يمرُّ يوم من دون أن أدخّن سيجارة «زطلة» على الأقل، ما جعلني أبحث عن المال بأي طريقة، ولو بسرقته من بيتنا». أميمة ليست الوحيدة التي تعيش هذه الحال المرضية، فكثيرات في عمرها يمارسن يوميّاً الطقوس المنحرفة، انزواءً في ركن من المعهد وتدخين ما أمكن من سجائر مخدرة. ولكن، من أين يأتي الطلاّب بالمخدرات؟ السؤال لم يكن صعباً لمن تحدثنا إليهنّ، وجاءت الإجابات متطابقة تماماً، فإمّا أن تكون العملية كلها من طريق أحد المنحرفين المحترفين الذين يأتون أمام المؤسسات التربوية ليوزّعوا السموم على من سقط في بئر الإدمان، أو أن يجري تجنيد بعض الطلبة ليكونوا وسطاء بين الطلبة والتجار الذين عادة ما يكونون في سنّ زبائنهم. إلى الفتيات التونسيات، ثمة رقم مرعب آخر، إذ تظهر الإحصاءات أن حوالى 56 في المئة من المراهقين في تونس يتعاطون «الزطلة». ويرى الزحاف أنّ المشكلة الأهم في استفحال ظاهرة الإدمان لدى الشباب عموماً والفتيات خصوصاً تكمن في انعكاساتها الاجتماعية والنفسية الخطيرة، فالمدمنات لا يجدن الرعاية اللازمة من مؤسسات أو هياكل أو مراكز تنقذهن من الإدمان. يدرس سهيل (21 سنة) في كلية للحقوق، لكنه وقع في براثن الإدمان مع شقيقتيه اللتين تصغرانه في السن. يقول: «أردت أن أجرّب الزطلة لكثرة ما سمعت عنها، فكانت الاتصال الأول بيني وبين المخدرات، بحيث لم أعد أكتفي بالزطلة، وأصبحت أبحث عمّا هو أشدّ وأقوى... أغلى ثمناً». ينتمي سهيل إلى عائلة ثرية جداً، وبالتالي لم يكن صعباً عليه الحصول على مال، بل عمد هو إلى تعليم شقيقتيه كيفية تعاطي المخدرات... بعيداً من أعين الأهل المشغولين عنهم دائماً. ظاهرة إدمان الفتيات في تونس لم تكن متداولة بمثل ما هي عليه بعد 14 كانون الثاني 2011. ويرى متخصصون في علم الاجتماع أنّ الظروف الاقتصادية المقلقة التي تمرّ بها تونس وحالات الاحتقان الاجتماعي والإحباط العام تعد من أهم الأسباب التي أدّت إلى هذا الوضع الخطير، خصوصاً مع انتشار ظاهرة البطالة في صفوف الشباب وانسداد الآفاق أمامهم، فضلاً عن الفقر الذي تضاعفت نسبته. كلها أسباب تدفع بعضهم إلى اليأس والارتماء في أحضان الحلول السهلة... بغية نسيان الواقع والهروب إلى حالات الشعور بالإحباط. يوضح الدكتور الزحاف أن «الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات» لن تتمكن بمفردها من فعل شيء كبير لجهة الإصلاح والعلاج ما لم تتضافر جهود الجميع، الدولة والمجتمع المدني. ويؤكد: «ننظم ندوات ودراسات ميدانية، ونحاول أن نقترب ما أمكن من هؤلاء الشباب، وخصوصاً الفتيات. لدينا مركز في الزهروني (ضواحي العاصمة) للعلاج من الإدمان يؤمه الراغبون في ذلك، وهناك من تأتي به عائلته ليمكث فيه شهراً أو أكثر، بحيث يُعطى المدمن جرعات محددة حتى يشفى تماماً». ويشير الزحاف إلى أن الجمعية لا تكتفي بالعلاج، بل تعمل على مصاحبة المدمن أو المدمنة في محيطه العائلي وداخل البيت، بمساعدة الأسرة على التواصل معه ورعياته... حتى لا يعود إلى إدمانه مجدداً. لكنه يلفت إلى أن «المركز لا يمكنه في كل الأحوال أن يستوعب كل الحالات»، وبالتالي، لا بد من تضافر جهود كل عناصر المجتمع والدولة... للحدّ من انتشار الظاهرة في أرجاء البلاد.