بدا في وقت أول أن الشراكة بين الصين وأفريقيا مثالية. فالعملاق النامي هو قوة لا يشوب الاستعمار تاريخها، وهو لا يسعى إلى التدخل في الشؤون الأفريقية الداخلية. ولكن شيئاً فشيئاً، تسلل التوتر إلى العلاقات بين الصين والدول الأفريقية، على رغم أن رغبة الأولى لم تفتر في البترول الأفريقي، فعدد من دول القارة، وعلى رغم حاجته إلى السيولة، لا يرتمي في أحضان بكين، بل يطالبها بحقوق مادية عادلة. والموقف هذا جديد وملفت. ويبدو أن عهد تمتع المستثمر الكبير بنفوذ لا حدود له في هذه القارة يُطوى ويمضي إلى غير رجعة، وطوال أعوام تلقف العروضَ الصينية شركاءُ متحمسون في أفريقيا. وكانت الحكومات، على اختلاف أنواعها وألوانها، تستسيغ بكين صاحبة الأموال التي لا تتدخل في الشؤون المحلية، وتحتفي بها على أنها المنقذ البديل من الغرب وتدخلاته. لكن الدول الأفريقية ضاقت ذرعاً بالأجانب الذين يضعون اليد على مصادرها الطبيعية، وبدأت تجبه الشركات النفطية الصينية وتعيد النظر في شروط العقود الموقعة معها، وحين تلاحظ أن الصينيين يحتالون عليها أو يسيطرون على آبار نفطية مهمة، تتوقف عن مجاراتهم وتقاوم هيمنتهم من غير أن تهاب إغضاب أكبر شركائها التجاريين، «فالنفط هو كل ما نملك، وإذا تنازلنا عن مواردنا الطبيعية فقدنا الأمل في تدبر أمورنا على وجه أحسن، وعلينا أن نكافح لنحصل على عائدات عادلة لقاء النفط، فإذا دفع الشاري سعراً عادلاً وسعنا مساعدة شعبنا»، يقول فوماكوي غادو، وزير النفط النيجري. وعلى مقربة من مكتب غادو، الواقع في الطابق السابع من مبنًى المصعدُ فيه معطل، ما يضطر الزائر إلى تسلق درجات ممرات مظلمة، يعيش أهل النيجر في منازل حجرية من غير كهرباء، ويغسلون الملابس في النهر. وقبل عامين، بدأت النيجر تستخرج النفط، لكن أبناءها لم يقطفوا بعد ثمار هذه الثروة. وعلى بعد مئات الأمتار من مكتب الوزير، تقع منطقة استخراج النفط، ويحتشد العمال والمهندسون العاملون في المصفاة الصينية في مطار متداعٍ استخدامه حكر عليهم للذهاب في إجازات فصلية. وحلت النيجر في المرتبة الأخيرة من تقرير التنمية البشرية «الأممي». ولاحظ خبير خاص استعانت بخدماته، أن شركة «تشاينا ناشونل بتروليوم كوربوريشن» تضخِّم كلفة عملها وتطالب برسوم غير مستحقة، وتعتزم النيجر -وفق غادو- الاستناد إلى رأي الخبير هذا في المفاوضات الوشيكة مع بكين. هذا النوع من التدقيق التفصيلي في الموازنات ساهم في إحجام الحكومات الأفريقية عن إغداق ملايين الدولارات على الشركات الصينية من غير مساءلة أو تدقيق. وانتهجت تشاد سياسة أكثر حزماً مع الشركة الصينية العامة، «تشاينا ناشونل بتروليوم كوربوريشن». وإثر عقد على استخراج النفط وصرف عائداته على شق الطرق وتشييد مبان عامة وتحديث الجيش وانحسار الاضطرابات، اشتد عود ثقة تشاد بوزنها وقوتها، فعلق وزير النفط في منتصف آب (أغسطس) الماضي أعمال الشركة الصينية جنوب العاصمة نجامينا، إثر اكتشافه أنها ترمي فائض النفط الخام في حفر ثم تستخدم عمالاً تشاديين للتنظيف من غير توفير أدوات حماية. ورفض الوزير التشادي أن تستأنف الشركة عملها، وطرد مديرها ومساعده. والشركة هذه مضطرة إلى إرساء أنظمة معالجة للنفط قبل استئناف العمل. ويرى ريكاردو سوريس دي أوليفيريا، وهو أستاذ في اوكسفورد خبير في النفط الأفريقي، أن هذه الحادثة التشادية هي إنذار للصين يدق ناقوس الخطر. فدولة ضعيفة مثل تشاد صار في إمكانها الوقوف في وجه بكين. ويبدو أن اختلال العلاقات الصينية– الأفريقية لم يعد على حاله، وبدأت عملية تقويم خلل التوازن. والنيجر هي من اضعف دول العالم. ويسدد المانحون الدوليون نصف موازنتها العامة، ولطالما حلمت في إقبال المستثمرين على نفطها. وفي 2008، أبرم الرئيس مامادو طنجا اتفاقاً مع الشركة الصينية العامة. وأنشأت الصين مصفاة تكرير. لكن الخبراء طعنوا في جدوى المشروع هذا في بلد يكاد لا يستهلك طاقة. ويبدو أن حكومة الرئيس طنجا حصلت على مكافأة قدرها 300 مليون دولار لقاء استخراج الصين الاحتياطات النفطية في النيجر. ويشكو السكان قلة فرص العمل التي وفرها الصينيون وتدني قيمة الرواتب وظروف العمل الشاقة. * مراسل، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 17/9/2013، إعداد منال نحاس