يعجّل شباب «حمصيون» من خطواتهم قرب الجمرات لرمي انكسارات «مجزرة الحولة»، ويبدو عليهم الإعياء من مسابقتهم للزمن في رمي «الشيطان ونزغه»، ويحملون في قلوبهم وسواعدهم همّ وطن كسير يقع شمالاً عانى خلال الأعوام الماضية كل الجرائم البشعة التي لم يسجل التاريخ الإنساني الحديث مثيلاً لها، يريدون الحج والرجوع فوراً إلى جبهات الوغى ليستمروا في إكمال ثأرهم الذي لا يهدأ. ويطوف الحاج السوري أحمد عماد الدين (19 عاماً) المشارك في الجبهات السورية بصفوف الجيش الحر في ريف حمص، المشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج، بخطوات ممزوجة بالانكسارات والانتصارات، يسكن عينيه حزن قديم، ويملأ وجهه الأحمر آثار المعارك وبارود السلاح، يؤكد رميه لانكسارات مجزرة الحولة التي راح ضحيتها العشرات من أقاربه، في الجمرات تيمناً بوالد الأنبياء إبراهيم عليه السلام. ويضيف الحاج السوري الذي انخرط في العمل الثوري المسلح بعد وقوع مجزرة الحولة في 25 أيار (مايو) من العام الماضي، أن يوم المجزرة التي راح ضحيتها نساء وأطفال قريته، كان نقطة تحول في حياته إذ حمل السلاح للمرة الأولى في حياته، ليثأر لدماء من رحل، موضحاً «حججت لخوفي أن أقتل قبل أن أحج، هي فرصة لا تعوض واستراحة للمحارب، أحمل معي مئات الدعوات من أهلي لأنثرها في المكان المبارك، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً». ويبدو على الشاب السوري الذي لم يكمل عقده الثاني من عمره، نظرات تملؤها الكراهية على النظام السوري، إذ يؤكد استحالة التعاطف أو التعاون مع من يسهم في سفك الدم السوري مشاركة فعلية أو حتى دعماً وتعاطفاً، مشيراً إلى أنه يعيش لينتقم ممن قتلوا أقاربه من الأطفال، «قتلوا الأطفال دون رحمة إني أحج لأدعو بالرحمة على كل روح بريئة رحلت إلى السماء ظلماً وعدواناً». ويقول أحمد الذي لم يستطع أن يكمل تعليمه لظروفه المادية الصعبة، إن جنسيات كثيرة فقدت إنسانيتها تشارك في قتل السوريين، لافتاً إلى رصده مقاتلين من لبنان، العراق، بجانب خبراء إيرانيين «قدموا للقتل لا لشيء غير ذلك، حمص مليئة بالأجانب حاملي عتاد الحرب المتقدم، بمساندة صريحة وعلى مرأى دول العالم أجمع». وعلى رغم اتهامات النظام السوري لوسائل الإعلام منذ انطلاق الثورة الشعبية في درعا 2011، بتضخيم ما يحدث في القطر السوري، يرى الحاج أحمد أن وسائل الإعلام مقصرة في تغطية «كل الحقيقة»، إذ إن كثيراً من المدن والأرياف داخل القطر تعاني من الحصار الذي يسلب أدوات العيش الإنساني، محملاً النظام وحلفاءه إخفاء الحقيقة التي ستظهر يوماً بأرشيف التاريخ الإنساني. ويوضح أحمد في آخر حديثه أن الحج أظهر تعاطف المسلمين مع القضية السورية وشعبها المحاصر، «الحجيج بمختلف الجنسيات والأعراق يظهرون تعاطفاً كبيراً لما يحدث للشعب السوري، لقد مكنتنا السعودية من الحج مشكورة، ومن حسن الحظ أن حج هذا العام سهل وميسر».