شهد لبنان أمس حدثين مهمين الأول انتهاء مأساة المخطوفين اللبنانيين التسعة في إعزاز السورية بعد احتجاز دام زهاء 17 شهراً، إثر صفقة ثلاثية الأطراف بالإفراج عنهم مقابل إطلاق سراح النظام السوري 122 سجينة سورية من المعارضة، وإطلاق سراح الطيارين التركيين اللذين اختطفا في بيروت في 9 آب (أغسطس) الماضي، الأمر الذي لقي ترحيباً لبنانياً شاملاً لطي ملف المعاناة الإنسانية للمخطوفين؛ والثاني كان تحوّل الذكرى الأولى لاغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، رجل الأمن المميز الذي كشف الكثير من الاغتيالات والعمليات الأمنية ضد اللبنانيين والشبكات الإسرائيلية اللواء وسام الحسن، الى تظاهرة سياسية لقوى 14 آذار ضد النظام السوري وحلفائه، لا سيما «حزب الله» وشروطه لتأليف الحكومة ما عكس عمق الأزمة السياسية في البلاد. ووصلت معاناة احتجاز اللبنانيين التسعة (سبق أن أفرج عن اثنين من أصل 11 مخطوفاً لدى «لواء عاصفة الشمال» في إعزاز في آب وأيلول - سبتمبر 2012)، الى نهايتها السعيدة ليل أمس حين أفرج عنهم تمهيداً لنقلهم الى بيروت برفقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي قاد المفاوضات حول الصفقة، على متن طائرتين، إحداهما قطرية على متنها وزير الخارجية القطري خالد العطية. وخرج المخطوفون اللبنانيون الى الحرية منذ ليل أول من أمس حين نقلوا من إعزاز الى الأراضي التركية وباتوا في أيدي الجانب التركي، ثم نقلوا أمس الى إسطنبول حيث التقوا اللواء إبراهيم، بعد إتمام الصفقة، إثر فشل وساطات عدة على مدى 17 شهراً. وشارك في الجهود لإنجاح الصفقة كل من إيران في اتصالاتها مع سورية لتلبي طلب الخاطفين إطلاق السوريات السجينات، ومع تركيا لتكثف اتصالاتها مع الخاطفين، فضلاً عن اتصالات قطر مع الخاطفين، ودور الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اتصالاته مع الجانبين السوري والقطري، فيما مثل اللواء إبراهيم الجانب اللبناني في المفاوضات بمتابعة من رؤساء الجمهورية ميشال سليمان، والبرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، و «حزب الله» ووزير الداخلية مروان شربل. وقضت الصفقة، بعد أن كانت تعثرت قبل شهرين نتيجة رفض النظام السوري إطلاق بعض السجينات ال122 ومنهن المدونة طلّ الملوح، الى أن وافق الجانب السوري نتيجة الإلحاح الإيراني والفلسطيني على تسهيل الأمور، على إطلاق السجينات جميعاً، بأن تنطلق الطائرة التي تقلهن من سورية الى أضنة التركية، والطائرة التي تقل المخطوفين اللبنانيين التسعة من إسطنبول، والطائرة التي تقلّ الطيارين التركيين المخطوفين من مطار رفيق الحريري في بيروت في توقيت واحد، وتأخر تنفيذ هذا التزامن لأسباب لوجيستية تتعلق بتنسيق إقلاع الطائرات الثلاث، فيما تردد أن أسباب التأخير عدم قبول الجانب السوري بالإفراج عن بعض السجينات. وانتظر أهالي المخطوفين اللبنانيين التسعة في مطار بيروت الدولي بعدما تأكدوا أنهم باتوا في عهدة اللواء إبراهيم، وصولهم برفقة ممثلين عن القوى السياسية اللبنانية وفي طليعتها «حزب الله» وحركة «أمل» ووزيري الخارجية عدنان منصور والعدل شكيب قرطباوي. وعمت الفرحة والاحتفالات في ضاحية بيروت الجنوبية ورفعت صور للأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله واللواء إبراهيم وأعلام «حزب الله» وحركة «أمل» والعلم اللبناني كما شكر بعض اهالي المخطوفين الرئيس بشار الأسد. كما أن الطيارين التركيين أفرج عنهما في منطقة البقاع حيث نقلا الى مطار رياق العسكري فنقلتهما طوافة عسكرية الى مطار بيروت حيث استقبلهما الوزير شربل والسفير التركي إينان أوزلديز، ثم نقلا الى طائرة قطرية أقلعت بهما التاسعة ليلاً. وعليه أقلعت الطائرة التي تقل اللبنانيين المحررين وإبراهيم والوزير عطية من اسطنبول. وبينما كان بعض أهالي المخطوفين طالب بالإفراج عن ثلاثة موقوفين من قبل القضاء اللبناني في سجن رومية بتهمة التورط في عملية خطف الطيارين التركيين وأحدهم شقيق واحد من الذين كانوا مخطوفين في إعزاز (محمد صالح)، أكد الرئيس سليمان ليلاً أن هذه القضية تتعلق بالقضاء اللبناني. واتصل سليمان بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد لشكره على جهوده في عملية الإفراج عن مخطوفي إعزاز، كما تلقى اتصالاً من الرئيس الفلسطيني عباس هنأه في خلاله على انتهاء قضية المخطوفين. وفيما تحدث الوزير شربل في المطار أثناء انتظاره لاستقبال اللبنانيين المحررين، عن الذكرى السنوية لاغتيال اللواء الحسن، مؤكداً أن الراحل كان عمل على تحرير المخطوفين وأنه «كان يرفض الكلام عن دوره في ذلك فصودف أن تحرروا بعد عام على استشهاده»، أحيت قوى 14 آذار عصراً ذكرى اغتيال الحسن الذي أقامت له المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي نصباً تذكارياً. وأعلن خليفة الحسن في شعبة المعلومات العقيد عماد عثمان «أننا سنصل قريباً الى كشف مرتكبي جريمة اغتيال الحسن ولحظة الحساب اقتربت». وفي المهرجان الخطابي الذي نظمته «مؤسسة اللواء وسام الحسن الخيرية الاجتماعية»، بدعم من قوى 14 آذار و «تيار المستقبل» في بيروت، شن الخطباء هجوماً عنيفاً على النظام السوري، و «حزب الله» في كلمات لكل من نائب رئيس البرلمان فريد مكاري، النائب نهاد المشنوق، المدير العام السابق لقوى الأمن اللواء أشرف ريفي والأمين العام للتيار أحمد الحريري. ورفض الخطباء الثلث المعطل في الحكومة وثلاثية الجيش والشعب والمقاومة». وأكد أحمد الحريري في كلمة باسم زعيم «المستقبل» سعد الحريري، أن «اغتيال وسام أثبت، أن أبواب لبنان ما زالت مشرعة أمام العواصف، فصار من كانت مهمته حماية أمن المواطنين هدفاً لعبوة من الحقد كشفت لبنان واللبنانيين أمام إرادات الشر. فسقطت المحرمات وانتشرت الكراهيات». ولاحظ أن «نظام الأسد أخطأ مرة جديدة العنوان، فوصلت رسالته المفخخة الى طرابلس وانفجرت، لكن طرابلس لم تنفجر، لأن نسيج هذه المدينة نموذج مصغر عن نسيج لبنان العصيّ على كل أنواع الفتن». وتابع: «يطالبون بالثلث، لأنه معطِّل، ويتمسكون بالثلاثية، أي الجيش والشعب والمقاومة، لأنها تقوّض بنيان الدولة، وعينهم على المثالثة لأنها تنسف المناصفة. لكن تيار «المستقبل» لن يقبل بالثلث المعطِّل، ولن يسمح بتكريس ثلاثية الخراب، ولن يترك لهم بالتأكيد فرصة المثالثة، لأن المناصفة سر لبنان». وذكّر مكاري بأن الحسن «دفع ثمن تجرؤه على كشف مؤامرة سماحة - المملوك وفضح النظام السوري في محاولاته الغدر بلبنان». وتحدث عن «أدوات النظام السوري» متهماً «كل من يدافع عنه بأنه شريك في جرائمه». أما المشنوق فتوجه الى الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله متهماً إياه بالاعتداء على الآخرين. وقال: «كل التسويات في العالم الحقيقي منها والوهمي عاجزة عن انتزاع أي مكتسبات خارج إطار الشراكة الوطنية السليمة وما تطالب به، هو حكومة بأحجام الحقد وأوزان الكراهية التي راكمها أداء حزبك منذ 14 شباط 2005 (اغتيال الرئيس رفيق الحريري)». وأكد ريفي أن العدالة «آتية لا محالة وأعني ما أقول ومن يعش منا يرَ»، متحدثاً عن «المجرمين مهما علا شأنهم». وليلاً عقد اجتماع هو الثاني خلال أسبوعين بين رئيس كتلة نواب «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والرئيس بري لمتابعة الحوار الذي انطلق بين الجانبين حول الأزمة السياسية في البلاد. وأكد السنيورة أن اجتماعاً آخر سيعقد مع الرئيس بري على هامش الجلسة النيابية التي ستعقد الثلثاء المقبل. وقال إن اللقاء أمس استكمال للقاء السابق، «كانت جولة أفق على عدد من المواضيع والحوار كان جيداً ومفيداً وبناءً واتفقنا على أن هناك جدوى من متابعة اللقاءات».