وصلت قضية المخطوفين اللبنانيين التسعة في أعزاز السورية أمس إلى خاتمة سعيدة بالإفراج عنهم وعودتهم إلى بيروت مساء، في موازاة الإفراج عن طيارين تركيين كانا خطفا في آب (أغسطس) الماضي قرب مطار بيروت الدولي، ومجموعة من السجينات السوريات لدى النظام السوري. وفيما كان حشد رسمي وأهلي ينتظر اللبنانيين العائدين في المطار مساء، أفيد بأن طائرة قطرية خاصة وصلت إلى المطار لنقل الطيارين التركيين إلى بلادهما. وكان أهالي المخطوفين تجمعوا منذ ساعات الصباح الأولى أمام مقر «حملة بدر الكبرى» في بئر العبد (ضاحية بيروت الجنوبية) بانتظار انتهاء عملية الإفراج عن ذويهم بعد 17 شهراً على خطفهم في سورية من قبل مجموعة مسلحة تنتمي إلى «لواء عاصفة الشمال»، مقابل الإفراج عن 127 معتقلة سورية في السجون السورية. وفور إبلاغ وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل الأهالي أن اللبنانيين التسعة انطلقوا من تركيا برفقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ووزير خارجية قطر خالد العطية على متن طائرة خاصة إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، غمرت الفرحة وجوه الأهالي، الذين لم يستطع بعضهم حبس غصة أو دمعة، مستذكراً سنة ونصف السنة من الشوق لقريب أو نسيب غاب قسراً بفعل الخطف. وكان الأهالي حضّروا لاستقبال ذويهم بأن علّقوا صوراً للوزير شربل واللواء إبراهيم، ولافتات عبّرت عن فرحتهم، وأعلاماً لحركة «أمل» على شرفات المنازل، فيما غص مطار رفيق الحريري الدولي بحضور رسمي وشعبي ضم إلى شربل، وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عدنان منصور والسفير التركي لدى لبنان أينان اوزيلديز. وقال منصور في المطار إن الفرحة بقرب عودة المحررين من أعزاز بأنها «وطنية على مستوى الدولة والشعب». وشكر كل من ساهم بالعمل الذي أدى إلى إطلاق سراح اللبنانيين، مشيراً إلى أنه «عمل لا يتجزأ، إن كان أمنياً أو ديبلوماسياً أو سياسياً». ولفت إلى أن «الطيارين التركيين سيطلق سراحهما في أقرب وقت». وكان الناطق باسم أهالي المخطوفين دانيال شعيب أبلغ «الحياة» ظهراً أن عملية التبادل «شبه منتهية»، لافتاً إلى بعض التعقيدات في شأن الإفراج عن السجينات السوريات. وكانت ضاحية بيروت الجنوبية شهدت منذ ليل أول من أمس، أجواء فرح وتجمعات للمواطنين وذوي المخطوفين لمواكبة آخر تطورات القضية، خصوصاً عندما أعلن أن المخطوفين اللبنانيين عبروا إلى الأراضي التركية تمهيداً لنقلهم إلى لبنان. وأكد اللواء إبراهيم أن «المخطوفين أصبحوا في يد السلطات التركية، وسيكونون في لبنان خلال 24 أو 48 ساعة بعد أن تسلمهم في إسطنبول». والتقى إبراهيم أمس أحد المفاوضين القطريين في أحد فنادق إسطنبول لإتمام عملية التبادل. وكان رئيس الجمهورية ميشال سليمان يتابع العملية مع شربل وإبراهيم بشكل متواصل، مؤكداً، وفق المكتب الإعلامي الرئاسي، «اتخاذ الإجراءات الضرورية لتسريع عملية وصولهم إلى لبنان وعودتهم إلى عائلاتهم وأهلهم». على خط مواز، أوضح شربل ل «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية أن تسليم السجينات السوريات عبر مطار بيروت غير مؤكد، بعد ما تردد أن خاطفي اللبنانيين طالبوا بأن يتولى الجانب اللبناني نقلهن إلى أضنة في تركيا. ولفت شربل إلى أن «الطريقة اللوجستية لتسليمهن غير معروفة بعد». وإذ نفى أي «ترابط بين قضية المطرانين المخطوفين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي ومخطوفي أعزاز»، أكد أن «المساعي لا تزال مستمرة للإفراج عنهما». مواقف وفي المواقف، هنأ رئيس المجلس النيابي نبيه بري «المحررين اللبنانيين الذين وقعوا في الاحتجاز القسري لحريتهم طيلة أشهر وعانوا ما عانوه وعادوا سالمين إلى أرض الوطن والتهاني لأهلهم وذويهم ولكل اللبنانيين، لانتهاء هذه القضية التي أصابت كل لبنان بالقلق على مصيرهم». وشكر «لدولة قطر مساهمتها الأساسية واهتمامها ومتابعتها، والرئيس الفلسطيني محمود عباس شخصياً الذي واصل اتصالاته لتحريرهم منذ اليوم الأول لهذه القضية، وتركيا التي تجاوبت مع الجهود المبذولة وساهمت بإخراجهم إلى مناطقها الآمنة وعودتهم». وقال: «دائماً الشكر للشقيقة سورية التي تجاوبت على أعلى المستويات مع متطلبات حل هذا الملف بما يحفظ حياة المخطوفين اللبنانيين وصولاً إلى تحريرهم». وتلقى بري اتصالاً هاتفياً من عباس هنأه في خلاله على إطلاق المخطوفين اللبنانيين. واتصل اللواء إبراهيم بالرئيس الفلسطيني شاكراً له جهوده للإفراج عن المخطوفين. وكان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي هنّأ أول من أمس اللبنانيين التسعة المحررين، متمنياً عودتهم سريعاً إلى وطنهم، وهنأ اللبنانيين «عموماً وذوي المخطوفين خصوصاً على إقفال الملف الذي شكل صفحة مؤلمة جداً». وشكر «كل من ساهم في العمل على الإفراج عنهم من الدول الشقيقة والصديقة». وأشاد ميقاتي «بالجهود الكبيرة التي قام بها الرئيس الفلسطيني في معالجة هذا الملف». وفي السياق، تلقى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام بحسب مكتبه الإعلامي، اتصالاً هاتفياً من الوزير شربل، أطلعه فيه على نتائج الاتصالات والجهود التي توجت بتحرير اللبنانيين. وأعرب سلام في تصريح، عن ارتياحه لانتهاء محنة المخطوفين التسعة، وتوجه ب «التهنئة لهم ولأفراد عائلاتهم»، شاكراً كل «الأطراف التي ساهمت في تحريرهم». وأشاد الرئيس سلام ب «الجهود الكبيرة التي بذلها اللواء إبراهيم للوصول إلى هذه الخاتمة السعيدة». وهنأ رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» أمين الجميل «الإخوة اللبنانيين المفرج عنهم في أعزاز بعودتهم سالمين إلى عائلاتهم ووطنهم». وأثنى على «الجهود التي بذلت لبلوغ هذه القضية خواتيمها السعيدة، على رغم إطالة أمد الإقامة القسرية لفترة ناهزت السبعة عشر شهراً». ولفت إلى «المساعي التي قامت بها دولة قطر الشقيقة وتركيا والسلطة اللبنانية بشخص اللواء إبراهيم»، داعياً إلى «اكتمال الفرحة بإطلاق سراح المطرانين المختطفين في سورية والمواطنين التركيين المحتجزين في لبنان». وحض المعنيين على «مقاربة جدية وحاسمة لملف المعتقلين والمخفيين والمفقودين بما يضمن عودتهم سالمين». وتوجه الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري بالتهنئة إلى «اللبنانيين وأهالي مخطوفي أعزاز خصوصاً، بعد نجاح الجهود التي آلت إلى الإفراج عنهم»، آملاً في أن تشكل هذه العملية «خطوة على طريق إنهاء معاناة الكثير من الأسرى والمخطوفين والمحاصرين، وأن تتكلل بإطلاق سراح المطرانين المخطوفين»، منوهاً ب «الجهود النبيلة لدولة قطر والحكومة التركية واللواء إبراهيم في هذا الشأن». وكان وزير الخارجية القطري الموجود في تركيا منذ يوم السبت الماضي، واكب المفاوضات لحظة بلحظة، وأعلن مساء أول من أمس «أن الوساطة القطرية أفضت إلى إطلاق سراح المخطوفين اللبنانيين التسعة في سورية». وهنأ النائب عقاب صقر أهالي مخطوفي أعزاز ولبنان ب «تحريرهم وعودتهم إلى ذويهم بعد احتجازهم بغير وجه حق، بما أساء للثورة السورية وأسهم في إذكاء فتنة أرادها وعمل عليها كل من شارك في إطالة هذه القضية أو عرقل عملية حلها لأكثر من سبب». وقال في بيان: «الشكر الكبير للجهود التي بذلتها تركيا حكومة وأجهزة أمنية لتفكيك هذه المعضلة، كما أن الشكر موصول إلى دولة قطر التي شكل مسعاها الأخير مفتاحاً أساسياً لحل هذه العملية -اللغز والمركبة». وأضاف: «أسهمت جهود هاتين الدولتين في تسهيل مهمة وزارة الداخلية اللبنانية التي أشرف عليها رئيس الجمهورية وأدارها المدير العام للأمن العام بجدارة، فانتهى إلى هذا الإنجاز الذي يستأهل التحية». ولفت إلى أن «مهاترات الحديث عن استثمار للقضية من قبل الرئيس الحريري في السياسة والانتخابات والمؤامرات التي تملأ عقولاً فارغة، ذهبت أدراج الرياح الآن، لأننا كنا الجزء الأساسي في التفاوض سابقاً، ولم نكن حتى في مشهد واحد من مشاهد الحل». وكان وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو أعلن عن قرب افراج عن الطيارين التركيين المخطوفين، وقال «ثمة تطورات إيجابية وتم حل جزء كبير من هذه القضية». وكانت مجموعة مسلحة تنتمي إلى «لواء عاصفة الشمال» خطفت 11 لبنانياً كانوا في زيارة لأماكن مقدسة في إيران، في منطقة أعزاز السورية، في أيار (مايو) 2012. وأفرج الخاطفون عن حسين عمر في 25 آب (أغسطس) عام 2012، وبعده أفرجوا عن عوض إبراهيم. وكان الخاطفون طالبوا بإطلاق سجينات سوريات لدى النظام مقابل إطلاق اللبنانيين.