معروف أن تصوير اللقطات والمشاهد في المسلسلات والأفلام وفي الكثير من البرامج التلفزيونية يستند إلى سيناريو مكتوب مسبقاً، ولا يلغي بعض التعديلات الطفيفة، التي تطرأ أثناء التصوير، هذه القاعدة. أما في التقارير التلفزيونية فتأتي العملية معاكسة، إذ يمعن كاتب التقرير في الصور والمواد الفيلمية المتوافرة لديه أولاً، ومن ثم يشرع في كتابة تقريره النابع من حقيقة تلك الصور وطبيعتها. بل أن ثمة اتفاقاً خفياً، هنا، يقول ان كتابة التقرير أولاً، ومن ثم البحث بعد ذلك عن صور تناسب مضامين هذا التقرير سيأتي ب «أسوأ النتائج». قد يعتقد بعضهم، للوهلة الأولى، بأن استناد كاتب التقرير إلى الصور، وتطبيق مفرداته وجمله وعباراته عليها هو أمر سهل، غير أن ذلك يكون صحيحاً عندما يكتفي كاتب التقرير بشرح الصور ووصفها فحسب، كأن يأتي القول «كان المبنى ينهار وسط الدخان والغبار»، مرافقاً لصور مبنى ينهار وسط الدخان والغبار! هنا لم يفعل كاتب التقرير سوى وصف الصورة، مع أن المطلوب هو البحث عن معاني مثل هذه الحادثة، ودلالاتها وعلاقتها بالوضع الأمني.. وغيرها من التساؤلات التي ينبغي أن تجنّب التقرير «التقريرية»، و«المباشرة»! وعلى رغم أن لكل نوع إعلامي مرئياً كان أو مسموعاً أو مقروءاً، خصوصيته، وأهميته التي اختزلها الباحث الإعلامي ماكلوهان بالقول «الوسيلة هي الرسالة»، غير أن هذه التباينات لا تُحترم، إذ تكاد تكون صياغة الأخبار والتقارير متطابقة، وواحدة في الصحيفة والتلفزة والإذاعة. وفي الحديث عن الإعلام المرئي تحديداً، نرى ان تقارير الفضائيات العربية تستخدم فائضاً غير مبرر من المفردات، وتتعامل مع اللغة بترف مبالغ فيه، لدرجة أن «الصورة المعادِلة لعشرة آلاف كلمة» كما يقال، لا تحظى إلا بالقليل من التقدير، أو بعبارة أخرى: كاتب التقرير يصر على حشو تقريره بالكثير من الكلمات والعبارات التي لا تخدم الصورة بمقدار ما تربك عين المشاهد وأذنه، علما أن المقاطع الصوتية الحية تكون، في بعض الأحيان، أبلغ من أي كلام: أصوات انفجارات، هدير طائرات، صفارات إنذار... فضلاً عن أن مثل هذه الأصوات تجعل «التقرير يتنفس»، وفق تعابير المتخصصين. إن المبدأ الرئيس والبديهي يتمثل في أن التلفزيون هو أولاً، وقبل كل شيء، وسيلة بصرية، وهذا يعني، ببساطة، استثمار واستغلال الصورة إلى الحدود القصوى، وعندما يتعذر وجود الصور المطلوبة، يتدخل كاتب التقرير كي يكمل النقص بالمفردات، لكن السائد هو أن الصور تُهْمَل وتُنْتَهك في حقول اللغة المنطوقة التي غالباً ما تأتي على شكل ثرثرة لا ترتقي إلى مستوى صدقية الصورة، ولعل إحدى أفضل مواد الفضائيات هي تلك البرامج القصيرة التي تكتفي بعرض الصور تحت عناوين مختلفة «بلا تعليق»، «الصورة تتكلم»...وما شابه.