تسعى تونس بعد ثلاث سنوات من تدهور المناخ الاجتماعي وتراجع إقبال المستثمرين الأجانب على أسواقها، إلى إعطاء دفعة قوية للاستثمار الخارجي بإدخال إصلاحات على القطاع ومراجعة قوانين الاستثمار المشّرعة في عهد النظام السابق. ويستفيد التونسيون في هذا المشروع من الدعم المالي الذي أقره «صندوق تمويل التحولات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» الذي أنشأته «شراكة دوفيل» في اختتام قمة الدول الثماني الأكثر تصنيعاً في مدينة دوفيل الفرنسية عام 2011. ويرمي المشروع إلى مراجعة الإطار المؤسسي والتشريعي للاستثمار في البلد وتحسين الحوكمة في القطاع العام، وإيجاد استراتيجيات بديلة في القطاعات الاقتصادية الرئيسة، إضافة إلى تعزيز التعاون بين القطاعين الخاص والعام في تنمية الاقتصاد وإيجاد فرص عمل جديدة. واستفادت تونس أخيراً من خبرة «منظمة التجارة والتنمية الاقتصادية» في مراجعة السياسات الاقتصادية وإعادة النظر في قانون الاستثمار، في اتجاه تعزيز الشفافية والمنافسة الشريفة بين أصحاب المشاريع. واستند التونسيون في إطلاق هذا المسار الإصلاحي، على دعم مالي من «صندوق تمويل التحولات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، الذي تساهم فيه الدول الثماني الأكثر تصنيعاً وبلدان مجلس التعاون الخليجي وشركاء إقليميون بينهم تركيا. وأكد وزير الاستثمار الخارجي والتعاون الدولي التونسي أمين الدغري ل «الحياة»، أن الصندوق «منح تونس هبة بقيمة 1.55 مليون دولار لتنفيذ مشروع تحسين النمو الاقتصادي وزيادة فرص عمل الشباب والنساء». ولفت إلى توقيع اتفاق بقيمة 750 ألف دولار مع «الشركة المالية الدولية» التابعة للبنك الدولي، لتمويل الدعم الفني لهذا المشروع». ويندرج في هذا المسار الإصلاحي قرار مراجعة قانون الاستثمار الحالي وتشكيل «هيئة عليا للاستثمار»، وأكد الدغري أنها «ستدرس وضع السياسات القطاعية الواجب اتباعها في ضوء خصوصيات السوق المحلية وإزالة المعوقات المعطّلة للتنمية والمعرقلة لإيجاد فرص عمل جديدة». وأقر بأن تنشيط الاستثمار يحتاج إلى «إعادة بناء الثقة لدى أصحاب المشاريع بجدوى الاستثمار في تونس واختزال الإجراءات الإدارية وتحسين كفاءة الموارد البشرية، وتشجيع الاستثمار في القطاعات ذات القيمة التكنولوجية المرتفعة وإدماج البلد في المنظومة الإقليمية». وأوضح ممثل «الشركة المالية الدولية» في تونس أنطوان لابروس ل «الحياة»، أن الشركة المتفرعة من البنك الدولي «راهنت منذ نجاح الثورة على دعم المسار الانتقالي في تونس»، معلناً أنها «مولت نشاطات خلال السنوات الثلاث الأخيرة وتجاوزت قيمة التمويل تلك التي ضختها في السنوات العشر الأخيرة من حكم بن علي». وتولي الأوساط المهتمة بالاستثمار في تونس أهمية كبيرة لخطوة تشكيل هيئة عليا للاستثمار الخارجي، وهو يشمل وفق كريم الجموسي الذي يُدير أحد بيوت الخبرة، «ست مراحل تبدأ من دراسة القانون الراهن للاستثمار في تونس ثم وضع أسس الحوكمة المطلوبة وانتقاء العناصر الإيجابية في البلدان المماثلة للاقتباس منها». ولفت إلى أن صلاحيات الهيئة العليا وتشكيلتها الإدارية «ستُحدد في ضوء التجارب المشابهة في البلدان الأخرى». لكن الدغري أوضح أن الإصلاحات التي «اتُفق عليها بين الحكومة والشركاء الثلاثة الداعمين لهذه الإصلاحات أي البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الأفريقي للتنمية التي انطلق تنفيذها هذه السنة، تتمثل في مراجعة نظام المناقصات العامة كي تتطابق مع معايير «منظمة التجارة والتنمية الاقتصادية»، وإصلاح أوضاع المصارف العامة». أما بالنسبة إلى الإصلاحات المقررة للعام المقبل بعدما وافق الشركاء الثلاثة عليها أيضاً، فتتعلق بوضع قانون جديد للاستثمار ومراجعة القانون الخاص بدعم المؤسسات الاقتصادية المتعثرة، وتعديل قانون المنافسة «للحد من الممارسات غير العادلة».