بالقرب من برج ساعة مكة الذي يبلغ طوله 601 متر، بين ضجيج العربات، وصوت القطار الذي بلغت تذاكره العام الماضي 500 ألف تذكرة، والإضاءات اللافتة، يقف محمد رضوان باتشاه (64 عاماً) في اندهاش كبير لتغير أوضاع رحلة حجه عن تلك التي خاضها قبل ستة عقود، حينما كان يبلغ من العمر أربعة أعوام. يروي باتشاه (باكستاني الجنسية) ل «الحياة» تفاصيل رحلته التي بدأت أول خطوة لها حينما استقل هو ووالده سفينة من ميناء كراتشي متوجهة إلى ميناء جدة الإسلامي، ليقضي شهراً كاملاً على متن السفينة التي تقطع بحر العرب المطل على كراتشي، مارة بخليج عدن، لتتوقف في نهاية البحر الأحمر في مدينة جدة. دقات قلب باتشاه الذي استبدل أربعة من شرايينه خلال جراحة قلب مفتوح قبل نحو شهرين، عادت مسرعة، فور وصوله إلى مدينة جدة وشاهد أضواء المطار وصالة الحجاج، إذ إن عهده بمدينة جدة قبل 60 عاماً، كانت تعيش في ظلام دامس بلا كهرباء، ويضيف «بعد انتهاء الرحلة البحرية عبر السفينة البطيئة ووصولنا إلى ميناء جدة، يبدأ البحث عن حمار يقلنا إلى مكةالمكرمة» كلفة الحمار الذي استأجره والد باتشان أربعة ريالات سعودية، إلا أن والده كان يدفع خمسة ريالات بحكم وضعه المادي الجيد، «لا يكاد صاحب الحمار يصدق أننا دفعنا له ريالاً زائداً، ويصبح في غاية السعادة». زمن الرحلة من مدينة جدة إلى مكةالمكرمة على ظهر الحمار يومان، إذ كانوا يستريحون على جوانب الطرقات بعد أن يقطعوا عشرات الكيلو مترات، ويوضح محمد رضوان أنه يتقن 10 لغات من بينها الإنكليزية، العربية، والصينية، إذ إن والده كان يستطيع دفع كلفة تعليمه، فهو أحد رجال الأعمال المعروفين في باكستان. عند الوصول إلى مكةالمكرمة، يسلم باتشاه الحمار لمتعهد آخر حسبما اتفق معه صاحبه في جدة، ويتم البدء في أداء نسك الحج، وحين الانتهاء منها، يعود والده للبحث عن جمل ينقله إلى المدينةالمنورة. 10أيام متواصلة فترة إقلال الجمل من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة، إلا أن المسافة بين المنطقتين التي تقدر بأكثر من 400 كيلو متر، هي الأكثر إجهاداً ومشقة، لا سيما مع وجود بعض قطاع الطرق الذين كانو يستهدفون الحجاج للحصول على بعض الطعام «يقابلنا في الطريق إلى المدينةالمنورة بعض التائهين في الطريق، ويبدو الفقر على وضعهم المعيشي وكنا نعطيهم الطعام كالأرز والفواكه كصدقة ويذهبون». يمكث محمد رضوان باتشاه في المدينةالمنورة طيلة ثلاثة أيام، ويتكفل والده بولائم العشاء لعدد كبير من الحجاج، ليستقل بعدها الجمل عائداً إلى مدينة جدة، ومن مينائها إلى ميناء كراتشي، لتنتهي رحلة الحج التي تزيد مدتها على ثلاثة أشهر.