تبدو مشكلة الازدحام في الحج السبب الرئيس خلف بحثين تناول الأول منهما قضية ترك المستحبات في الحج، والآخر قضية الفوات والإحصار في الحج، وكلاهما يصبان في دائرة التيسير على المسلمين. ففي مشكلة الازدحام تناول الدكتور نايف بن جمعان الجريدان مشكلة الازدحام الشديد في الحج، وما ينتج منه من تدافع بين الحجاج قد يكون سبباً في الغالب في حصول كوارث ووفيات وإصابات. وقال: «عند النظر إلى أماكن وأوقات الازدحام نجد أن لهذه الأماكن والأوقات سنناً ومستحبات شرع للحجاج الإتيان بها، والاقتداء بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: (خذوا عني مناسككم)، ومن هنا يقف الحاج بين حبه الاقتداء وفعل كل ما هو مسنون ومستحب، مع ما يلاقيه من عناء ومشقة الازدحام، وبين ترك فعل هذه المستحبات». وأشار إلى أن مقاصد الشريعة ومراميها العظام تؤكد أنه كما أن على المسلم تحري هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل مواطن العبادة المختلفة إذا كان في حال تأديته لهذه المستحبات سعة وقدرة، فإن عليه أيضاً ألا يمارس أي مستحب – بل ويتعين عليه تركه - إذا ترتب على فعله ترك واجب أو ارتكاب محظور، ويشهد لهذا المبدأ قواعد ومبادئ وأسس شرعية وتأصيلات فقهية ذكرها العلماء. وضرب أمثلة لبعض هذه المستحبات التي تكون أثناء الازدحام الشديد في الحج، ثم نوجه التصرف الصحيح الموافق لما ذكرنا من قواعد الشرع ومقاصده ومبادئه العظام، مثل ما يسن فعله عند الميقات من غسل وتطيب ونحوه، فمعلوم أن حجاج زماننا أغلبهم يأتي عبر تلك الحملات التي قد تصل أعداد كبيرة منها إلى الميقات في وقت واحد، مما يسبب تجمعهم الازدحام حول المغاسل، وحصول المشقة على كثير منهم، بل وقد يفوت أحدهم رفقته بسبب ذلك، فحينئذ لا حرج في ترك الاغتسال، وإن تيسر الوضوء فقط وإلا فلا بأس بتركه أيضاً والاكتفاء بلبس الإحرام «الإزار والرداء» والتلبية. وتطرق إلى أنه يسن الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، وعند الازدحام لا يمكن أن يُتصور القيام بذلك ولو وجد الحاج فرصة لذلك، لكنه قد يؤدي إلى إيذاء من حوله، فلا بأس بتركه. وقل مثل ذلك فيما يشرع عند محاذاة العلمين في الصفا والمروة من الإسراع والهرولة، والذي ذكر العلماء أنه يكون أشد من الرمل في الطواف، وفي حال الازدحام قد يترتب عليه حصول الأذى والضرر للضعفة من الكبار والنساء، فحينئذ يترك لحصول مصحلة أكبر من مصلحة فعله. وذكر أيضاً أنه يسن تقبيل الحجر الأسود أو استلامه، والذي نراه يحصل عند الحجر من التدافع الشديد الذي لا يكاد الرجل القوي يستطيع تقبيله بسببه، فما بالك بالضعيف والكبير والمرأة، فحينئذ قد يصل الأمر إلى وجوب ترك تقبيل الحجر الأسود لما يسببه من ضرر على النفس والغير، ولما قد يحصل من شدة غضب يسبب رفع الصوت والتلفظ بألفاظ لا تليق في هذا المقام العظيم. فالمفسدة هنا ظاهرة والضرر حاصل، ويدل لذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده وغيره، من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: «يا عمر إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله، فهلل وكبر». وأشار إلى أن من السنن التي تُؤدى بعد الطواف صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم، وهذا قد لا يتأتى للحاج الإتيان به، ولو فعله لسبب الاصطدام مع الطائفين والتضييق عليهم، وتأخير مسيرهم وعرقلتهم، لذا ذكر العلماء أنه لا بأس بأداء هاتين الركعتين في أي موضع في الحرم، فإن ترك هذه السنة يترتب عليها مصلحة أعظم من مصلحة فعلها. وشدد في نهاية بحثه على أن للحاج سلوكاً وآداباً إسلامية فلا يؤذي في قوله ولا في سمعه ولا في بصره ولا في يده، ويتجنب مواطن الازدحام ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يرفق بإخوانه الحجاج، وعليه بالسكينة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وفي سياق متصل، نقل موقع الفقه الإسلامي بحثاً نشر على موقع إسلام ويب يتناول فوات الحج، وذلك بطلوع فجر يوم النحر على المحرم، ولم يكن وقف قبل ذلك بعرفة من ليل أو نهار، لقول جابر رضي الله عنه : «لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع»، وليلة جمع هي ليلة العيد. وأكد البحث أن من فاته الوقوف بعرفة ولو لعذر حتى طلع عليه فجر يوم النحر فقد فاته الحج لفوات زمن الوقوف، ويجب عليه أن يتحلل بعمرة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، كما يجب عليه القضاء أيضاً عند جمهور أهل العلم سواء أكان الفائت واجباً أم تطوعاً، وسواء أكان الفوات بعذر أم بغير عذر، ويلزمه مع ذلك هدي يخرجه في سنة القضاء لقول عمر رضي الله عنه لأبي أيوب الأنصاري: «اصنع ما يصنع المعتمر، ثم قد حللت، فإن أدركك الحج قابلاً فاحجج، وأهدِ ما استيسر من الهدي» رواه مالك. أما الإحصار فالمقصود به منع المحرم من إتمام نسكه، كأن يمنع من دخول مكة أو الوقوف بعرفة، فلا يختص الإحصار بعرفة كما هو في الفوات، ويمكن أن يكون في الحج والعمرة، بخلاف الفوات فلا يكون إلا في الحج.