الصحة الجيدة للطلاب مهمة جداً لأنها تنعكس إيجاباً على المهارات التعليمية والتحصيل الدراسي. في المقابل فإن الصحة الضعيفة تؤدي إلى نتائج سلبية، مثل الغياب، والتهرب من الدروس، والرسوب، وسوء التحصيل وغيرها. وعلى هذا الصعيد تلعب الصحة المدرسية دوراً بالغ الأهمية في ضمان السلامة البدنية والاجتماعية والنفسية من خلال البرامج التعليمية والتثقيفية، خصوصاً أن الطلاب يمضون جزءاً كبيراً من حياتهم بين جدران المدرسة. وإذا عرفنا أن هناك عدداً من المشاكل الصحية التي قد لا تكتشف إلا بعد التحاق الطفل بالمدرسة فإننا ندرك أهمية الصحة المدرسية في رصد هذه المشاكل، وأهمها تلك التي تتعلق بالفهم، والنظر، والسمع، والنفس، وغيرها من المشاكل التي يمكن أن تتجلى في سوء التحصيل العلمي. من هنا تبرز الحاجة إلى عرض الطفل على الطبيب المختص وتقديم الرعاية الصحية اللازمة في أسرع وقت. إن ضعف السمع عند الطفل يؤدي في مراحل عمره المبكرة إلى بطء في التعلم وفي النطق، ويؤثر على تفاعله مع المحيطين به، ما يترك لاحقاً تداعيات على شخصية الطفل وعلى تحصيله العلمي وإنتاجيته في المستقبل. من هنا أهمية إعطاء موضوع ضعف السمع الاهتمام اللازم، وضرورة مراقبة حاسة السمع عند الطفل فور ولادته. وفي حال الشك بوجود ضعف السمع يجب إجراء الفحوص اللازمة لمعرفة درجة السمع عند الطفل، لأن ضعف السمع يكون بدرجات مختلفة، وقد يكون خلقياً أو مكتسباً. ويمكن للجهاز السمعي للطفل أن يتعرض للضرر في الأشهر الثلاثة للحمل التي تشهد تكوين الجنين، فإذا أصيبت الأم خلال هذه الفترة ببعض الأمراض، مثل الحصبة الألمانية واليرقان (أبو صفار) فان ذلك يؤثر في نمو عصب السمع ويؤدي بالتالي إلى خلل في الجهاز السمعي للطفل. أيضاً يمكن للأدوية التي تتناولها الأم في فترة الحمل، ومن دون مشورة طبية، أن تسبب ضعفاً أو حتى فقدان السمع لدى الطفل. وقد يتعرض الطفل لضعف السمع نتيجة الولادة المبكرة أو بسبب إصابته بالتهاب السحايا أو بالتهابات الأذن الوسطى. إن الأطفال المصابين بضعف السمع يعانون من تأخر على صعيد النطق والحديث والمهارات المعرفية، ما قد يؤدي إلى نشوء عراقيل أمام تقدمهم في الدراسة، لذا فإن كشف مشكلة ضعف السمع باكراً ما أمكن وعلاجها قبل فوات الأوان هما ضروريان لتجنب تداعياتها. وطبعاً لا يجب إغفال إعطاء الطفل اللقاحات المناسبة لمنع حدوث أمراض الطفولة المعدية التي تضر بالسمع. كما أن تدبير التهابات الحوامل، والرعاية الطبية المناسبة قبل الولادة وأثناءها وبعدها، وتجنب الأدوية التي تسمم الأذن، تساهم في الحماية من حدوث ضعف السمع. ويمكن لمشاكل النظر أن تكون سبباً في كسل الطفل في المدرسة وفي تقصيره في أداء واجباته وفي قلة تركيزه. وإذا عرفنا أن 80 إلى 90 في المئة من المعلومات تمر عبر حاسة البصر فإنا ندرك أهمية النظر السليم. والنظر السليم مهم جداً لتلقي المعلومات واستيعابها وخزنها واستعادتها في الشكل الصحيح، من هنا أي خلل على هذا الصعيد سيؤدي في حال إهماله إلى صعوبات في التعلم وإلى تراجع مستوى الأداء في المدرسة. والمشكلة في ضعف النظر عند الأطفال هي أن الأهل غالباً ما يلقون باللوم عليهم بإلصاق تهمة الكسل بهم مع أن المشكلة بكل بساطة توجد في النظر. وتشير التقديرات العالمية إلى أن 19 مليون طفل حول العالم يعانون من ضعف البصر، بينهم 12 مليوناً ضعف بصرهم بسبب أخطاء انكسارية يمكن تصحيحها بسهولة. وتتظاهر مشاكل النظر عند الطفل بالشكوى من عوارض معينة، مثل التدميع، والصداع، واحمرار العينين، والحول، والترميش، والتعب السريع في القراءة، والرؤية المزدوجة، وعدم القدرة على تمييز الكلمات المتشابهة وغيرها. وإذا لم تساعد هذه العوارض في وضع اليد على مشكلة النظر في السن ما قبل المدرسة فإن اكتشافها غالباً ما يتم في الأسابيع أو الأشهر الأولى من دخول المدرسة. إن الفحوص الدورية للعينين مهمة جداً لكشف العيوب البصرية والبحث عن الحلول الناجعة لها. أما في خصوص المشاكل النفسية فهذه منتشرة بكثرة بين الطلاب من مختلف الأعمار، خصوصاً الصغار منهم، والطامة الكبرى هنا هي أن كثيرين يظنون أن الأطفال يعيشون في عالم البراءة وأنهم لا يعانون من المشاكل النفسية. والواقع أن المختصين في الطب النفسي وجدوا أن المعاناة النفسية قد تبرز بشكل يشبه ذاك الذي نراه عند الكبار، أو أنها قد تترجم على هيئة صور غير مباشرة من خلال سلوكيات وتصرفات معينة أو عوارض جسدية. ولا بد من التنويه هنا بأن الكثير من المشاكل النفسية للطلاب تحصل نتيجة الجهل والإهمال، في حين يتم التركيز على أمور أخرى أقل أهمية. إن سبر المشاكل النفسية ضروري من أجل إيجاد الحلول الناجعة لها كي لا تستوطن عند الطالب مسببة له المعاناة والألم وفقدان الثقة بالنفس. إن الصحة النفسية مكملة للصحة البدنية، من هنا فإن تعزيز الصحة النفسية للطلاب، يساهم في نشوء جيل قادر على النجاح والتفوق الدراسي والعطاء. ويلعب المعلم دوراً رئيساً في زرع دعائم الصحة النفسية السليمة عند الطالب، فهو ليس ناقل معلومات ومعارف فقط، ولكنه، إضافة إلى هذا، يستطيع أن يترصد أية عوارض تشير إلى اضطراب نفسي وأن يشارك في تصحيحه إذا أمكنه ذلك. ولا يجب إغفال موضوع التغذية عند الطلاب، خصوصاً الفطور الصباحي الذي يعتبر مهم جداً، خصوصاً للأطفال الصغار. وفي هذا الإطار نوهت دراسات لباحثين من جامعة أوتاوا في كندا على مدى ثلاثين عاماً، بالدور المؤثر للفطور على الأداء الدراسي. فقد اكتشف الباحثون أن الأطفال الذين لا يتناولون وجبة الفطور يواجهون مشكلة على صعيد التركيز، ويصابون بالإعياء والتشتت وقلة الانتباه في فترة الظهيرة، وتم ربط ذلك بانخفاض مستوى السكر في الدم الذي يعتبر الوقود الأساسي للخلايا الدماغية. إن وجبة الفطور هي أهم الوجبات اليومية على الإطلاق، فهي تساعد على الاستيعاب والفهم وترسيخ المعلومات في الذاكرة. ولا بد من الحذر من إصابة الطلاب بسوء التغذية، خصوصاً فقر الدم بنقص الحديد، الذي يعتبر من أكثر الأمراض المتفشية في المدارس في العالم العربي، ومن باب العلم فإن فقر الدم بنقص الحديد يسبب بطئاً في النمو العقلي والذهني، ويؤدي إلى سرعة التعب، والخمول وصعوبة في الاستيعاب والتعلم. ويجب الحذر من تفشي السمنة بين الطلاب، فهذه تظهر أكثر لدى طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية. وغالباً ما تؤدي السمنة في هذه المرحلة العمرية إلى حزمة من المشكلات النفسية والاجتماعية، وإلى الشعور بالإحباط وعدم الثقة في النفس، وعدم الرضا عن المظهر الشخصي. إن السيطرة على مشكلة السمنة يجب أن تحتل موقعاً مهماً على قائمة الاهتمامات على صعيد الصحة المدرسية، مع ضرورة العمل على أربعة محاور: الأول إخضاع المصابين بالسمنة إلى برنامج تخسيسي خاص يوصلهم إلى الوزن الطبيعي، ويوفر لهم كل ما يحتاجه الجسم من عناصر القوة والحياة. والمحور الثاني تغيير نمط الحياة. والمحور الثالث يشمل التثقيف الصحي للتعريف بالسمنة ومضارها الآنية والمستقبلية. أما المحور الرابع فهو التشجيع على ممارسة الرياضة في المدرسة وخارجها. في المختصر، إن الصحة المدرسية تهدف إلى التوعية الصحية، وإلى تعزيز صحة الطلاب للوقاية من الأمراض وتأمين الاستقرار الصحي والنفسي والعاطفي والعقلي، بحيث تنعكس إيجاباً على صحة الفرد والأسرة والمجتمع ككل. الوعي والتثقيف هدف الصحة المدرسية ليس فقط رصد الأمراض والمشاكل الصحية في شكل مبكر لعلاجها أو للوقاية منها، وإنما هناك مهمات أخرى، منها العمل على رفع درجة الوعي الصحي التثقيفي لدى الطلاب والهيئات التدريسية ومسؤولي الصحة المدرسية. ومتابعة كل السلبيات الصحية الموجودة في المدارس. وأخذ قياسات الوزن والطول. وإجراء فحص النظر لجميع الطلاب بالاستعانة بالمعلمين والمعلمات وذلك في بداية كل عام دراسي، وتحويل من هم في حاجة إلى نظارات طبية إلى المراكز الصحية. ومتابعة عمليات التطعيم. والإشراف على إنجاز الفحوص الدورية لطلاب المدارس، وإجراء فحص الأسنان، والتبليغ عن الأمراض السارية. والعناية بالبيئة المدرسية. [email protected]