«أضخم ملف عن قصيدة النثر»، عنوان غلاف العدد الجديد من مجلة «الثقافة الجديدة» التي يرأس تحريرها طارق الطاهر، وتصدر عن وزارة الثقافة المصرية شهرياً. وهو بالفعل الملف الأكبر الذي قدمته مجلة تصدر عن جهة رسمية في مصر، إذ يحتوي على ست دراسات، وست عشرة شهادة، وإثني عشر نصاً. لكن النقد في هذا الملف لم يواكب بأدواته قصيدة النثر. فمحمد عبدالمطلب قدم قراءة في أعمال شعراء السبعينات بأدوات النقاد القدامى، في حين جاءت كلمة عبدالمنعم تليمة التي تصدرت محور الشهادات أقرب إلى المجاملة منها إلى النقد الساعي إلى تأسيس نص جديد يطرح نفسه على الذائقة العامة. أما أحمد الصغير الذي كتب عن «الجمال الضائع في صراع الشيوخ والشباب» فلا ندري إلى أي مدى يتابع المشهد الذي يكتب عنه، ومن ثم فقد جعل فاطمة قنديل وعاطف عبدالعزيز وعلاء خالد من جيل التسعينات، على رغم أنهم أشهر أبناء الثمانينات. أما الشعراء فكانوا الأكثر قدرة على فهم النص وإشكالياته، لكن مقالات بعضهم حملت رائحة تصفية الخلافات، ومنها مقالة فتحي عبدالله عن «صراع الأشكال في شعر العرب»، إذ إنه ببساطة متناهية جرد كلاً من حسن طلب وعبدالمنعم رمضان من الشعرية. ويبدو أن شعبان يوسف لم يكن مشغولاً برصد المشهد الراهن في مصر، ومن ثم تحدث عن «مقدمات قصيدة النثر وتغيرات المصطلح بدءاً من نهايات القرن التاسع عشر حتى مجلة شعر». وعلى رغم طول الدراسة وما فيها من رصد متأن، غير أنه لم يشأ الدخول في معترك تسليط الضوء على أي من شعراء جيلي السبعينات والثمانينات. أما محمود الأزهري الذي خصص دراسته للحظة الشعرية الراهنة فوضع ثبتاً طويلاً بعدد كبير من الشعراء العرب والمصريين. لكن دراسته اشتملت على تعريفات وعظات من قبيل «القصيدة الجديدة وحدها القادرة على اكتشاف إيمان الكافرين بقدرة الفن على العطاء وزندقة المؤمنين بالتقنيات القديمة». وفي حين ذهب معظم الدراسات والشهادات إلى تأكيد الخصوصية الجمالية للنص النثري فإن هذه الخصوصية لم تخرج عن كونها سمات الشعر في جوهره الحقيقي. وهذا ما يعكس المأزق الراهن الذي يواجه شعراء النثر. وتحدث رفعت سلام عن تحرير قصيدة النثر للخيال الشعري، في مقابل التقيد بالعروض والتفعيلة في النصوص السابقة عليها. ودار مديح محمد آدم لهذا النص في إطار أنه «نص ثوري مرفوض من قبل الجماعة العربية، مع أنه يشكل المستقبل الأكثر دينامية في زحزحة ثقافة الأمة المقبلة على الموت بفعل الرتابة». وذهب عاطف عبدالعزيز إلى أن قصيدة النثر «تعشق الكناية لنزوعها إلى المشهدية واعتمادها على الكشف عن شعرية الأشياء».