ميقاتي عقب لقاء لاريجاني: الأولوية لوقف عدوان إسرائيل وتطبيق «1701»    بحضور وزير الخارجية.. اللجنة الوزارية السعودية الفرنسية تجتمع في باريس لتطوير العلا    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    بيهيتش: تجربة النصر كانت رائعة    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    موقف ريال مدريد من ضم ثنائي منتخب ألمانيا    الاعلان عن شكل كأس العالم للأندية الجديد    القيادة تهنئ ملك مملكة بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب باعتماد الجمعية العامة قرار سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    الخرائط الذهنية    جرائم بلا دماء !    الحكم سلب فرحتنا    الرياض تستضيف النسخة الرابعة لمنتدى مبادرة السعودية الخضراء    «خدعة» العملاء!    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    عاد هيرفي رينارد    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    لماذا فاز ترمب؟    في أي مرتبة أنتم؟    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    مقياس سميث للحسد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل الماجد: مؤسسات المجتمع المدني إن نبتت عندنا عشرات الجهات ستبادر لقطعها!
نشر في الحياة يوم 08 - 10 - 2013

شهد المجتمع السعودي خلال العقود الخمسة الماضية تحوّلات عدة في الرؤى والأفكار والشخصيات على مسرحه، ومع كل عقد من الزمن يتغيّر شيء، ويلوح آخر، وكأن قدر مجتمعنا ألا يستمر فيه شيء كما يجب.
عادل الماجد لا تعرف كيف تصنّفه، هل هو إعلامي أم مثقف؟ هل هو حركي أم متأمل؟ هل هو ناقد أم صانع للحدث؟ ومن هنا يكون الحوار معه له طعم آخر! اختار الرياضيات تخصصاً، ليعرف كيف يحل المعادلات، وكيف يجبر الكسور حواليه، وكيف يرسم المستقيمات، ويعيد المنحنيات للمحاور الرئيسة. لكن إبداعه وتألقه كان في المجال الإعلامي، عرفناه للمرة الأولى من خلال موسوعة «السرقات العلمية» التي من المضحك أنها سرقت منه، وهو يخبر عن السارق والمسروق! ومع انطلاقة مرحلة قناة «المجد» كان الماجد أحد صناع تلك المرحلة، ولعقد من الزمان قدموا فيه منتجاً إعلامياً، قد نختلف على بعضه، لكننا نتفق على أنه حرك المياه، وصنع كل مستحيل.
ضيفنا يسكنه فنان وسيناريست هادئ، يعرف كيف هي اللقطة، وكيف يصنع المشهد، وكيف يستقيم الحوار، وناقد جميل للمنتج الفني، وكان لدفاعه عن مسلسل «الفاروق» ودعمه له، إضافة منحت المسلسل بعض النور في كل الظلام الذي حواليه.. مع الماجد سنقول كل شيء بالعدل، وسنكون على الوعد بأن هناك نصاً وحواراً ومخرجاً ومصوراً، لنستمتع معاً بمنتج ولا أروع.. حديثاً ومعنى.
ماذا منحتك الرياضيات في مشوار حياتك؟
- منحتني عقلية ناقدة جافة في أحيان كثيرة، وعلّمتني ما بين الناس من تفاضل، ليكون في اجتماعهم تكامل، وأن المجتمع محيط (دائرة)، والدولة هي المركز، يجب أن تبتعد عن كل فرد في المجتمع البُعد نفسه، وإلا سدت الدائرة، وتعطلت العجلة، وأن سبب تخلف الأفراد والجماعات هو التعامل مع المسائل المعقدة متعددة المتغيرات بطريقة التعامل مع دالة الدرجة الأولى التي لها متغير واحد.
هويتك إسلامية ولكن أطروحاتك تختلف بوصلتها عن الإسلاميين أحياناً؟
- أحب أن أعيش كالزمن متغير مستقل لا يتأثر بغيره، لا الحب يجعلني أقبل، ولا البغض يجعلني أرفض، لذا ليس من مصلحة فرد أن أكون من مريديه، لأنني سأرد عليه، ولا من مصلحة تيار أن أنتمي له، لأنني سأسبح ضده يوماً، ذلك لأنني ملتزم تجاه نفسي بألا يأسرني فرد، ولا يحد من تفكيري تيار.
قناة المجد
ولكن رؤيتك الفكرية والفقهية - في ما أعلم - لا تتطابق مع مدرسة قناة «المجد»، التي كنت منتمياً لها كيف تناغمت معها؟
- ولا تتطابق أيضاً مع «سبق» التي أنتمي لها الآن، لأن المؤسسة الإعلامية تفشل عندما تتحوّل لمؤسسة فكرية تعتمد على آراء أفرادها.
و«المجد» قبل انطلاقها حدّدت سياساتها وخياراتها وأدواتها وجمهورها المستهدف، وآليات الوصول إليه، لذا كان إداريوها والطواقم الفنية وطواقم الإعداد والتقديم خاضعة لهذه السياسات.
وعندما يؤثر فكر أو رأي كل فرد في توجهات المؤسسة الإعلامية، تتناقض الرسالة، وينقسم الجمهور، وتضيع الهوية، وتفشل المؤسسة الإعلامية.
والمؤسسات الإعلامية الناجحة في العالم هي التي يسيّرها دستور المؤسسة، لا رغبات الأفراد المتناقضة.
تجربتك مع الإعلام متعددة الأطوار، فمن مجلة «الأسرة» إلى قناة «المجد» ثم صحيفة «سبق»، مروراً بالدراما كتابة وإنتاجاً، ألا ترى في ذلك منحنيات لا تستقيم أحياناً؟
- طالما أن المنحنى في فضاء الإعلام، فإن هذه المنحنيات مستقيمة في مجالها.
مشروع قناة المجد، فتح الباب لقنوات إسلامية، لم ينجح أحد في الخروج عن النص المجدي؟
- لا يصنع الإعلام غير الإعلامي، وحسن القصد ووفرة المال لا يعنيان وجود عمل متقن إذا غابت المهارة، وهناك قنوات خطت لها طريقاً ونجحت.
«سبق» تنطلق قبل خمسة أعوام ثم تكتسح المجتمع بطريقة سريعة غير مسبوقة، من خلفها؟
- خلفها مؤسس مبدع اسمه علي الحازمي، ومجموعة صحافية شبابية سعودية نفخر بهم، وأقترح أن تمنحهم الدولة جوائز تقديرية تليق بهم.
أقصد هل صحيح أن خلفها قطاعات حكومية كما يشاع؟
- هي منجز وطني علاقاتها بجميع قطاعات الدولة مميزة، ولو أزعجها النقد أحياناً، ولها مجلس إدارة معلن يترأسه رجل الأعمال المهندس عبدالعزيز الخريجي، وأنا عضو في مجلس إدارتها منذ منتصف 2009، ومديرها العام رئيس تحريرها الأستاذ علي الحازمي ومجوعة كبيرة من الموظفين والمحررين والمراسلين، فهي ليست بيت أشباح، ولا خلفها مجاهيل يديرونها.
في رأيك لماذا نجحت وأصبحت جزءاً من نسيج المجتمع؟
- توافرت أسباب النجاح من المهنية والصدقية والسرعة والجرأة والمسؤولية، وتميزت بسرعة مواكبتها للتقنية، وقدرتها الكبيرة على عقد الشراكات، وهذا كله أسهم في نجاح الصحيفة، وصنع لها جمهوراً واسعاً محسوباً بدقة تقنية، ولا مكان للظن في أرقام التقنية.
ما هي أخبار موسوعتك عن السرقات الأدبية والثقافية؟
- بعد أعوام من الدراسة والجمع والبحث، وقد أقمنا احتفالاً بها، وتم توزيع الجوائز وتكريم المشاركين، دفنت في مثواها الأخير، وكانت زاخرة بالأسماء الملوّنة من كل طيف وفئة من سارق ومسروق له.
شوّهت الموسوعة لديّ قطاعات وأسماء كنت أتوقّعها محترمة، ولم نندم على دفنها، فالصراع مع «السارق» مغامرة كبيرة.
على رغم هدوئك الظاهر وبرود أعصابك، لكنك ما دخلت مشروعاً حتى طغت عليه الإثارة، فهل تسخن غيرك، أم تقترب من الأماكن الساخنة لتذيب برودك؟
- لست «ميكرويفاً» لأسخّن الآخرين وأظل بارداً، ولكنني أعتني كثيراً بقراءة المستقبل للمشاريع ودرس الجمهور وهما مفتاح للإثارة الناجحة.
الدراما الفنية
تجربتك مع مسلسل الفاروق، ما القاعدة التي خرجت بها من تداعياته قبل وبعد؟
- الدراما هي الإعلام الأكثر تأثيراً والأطول زمناً، ورأسمال الإعلام في العالم أكثره ينفق على الدراما، مسلسل الفاروق اعتنيت كثيراً بدرسه ودرس تأثيره وردود الفعل حوله مهما كانت منحازة، لذا ظن البعض أنني مشارك في إنتاجه أو الإشراف عليه.
وأنا ليست لي فيه مشاركة من أي نوع، سوى أنني ناقد إعلامي كغيري ممن نقده بدرس متأن، ومشكلتنا مع القضايا المختلف حولها أن الجميع يتداخل فيها ويحكم على أطراف النزاع، ولو لم يكن يعرف لماذا حدث الخلاف.
«حط بينك وبين النار مطوع»، هل لا بد لأية فكرة جديدة من غطاء شرعي يحميها؟
- ضيّعتنا الأمثال التي نختزل بها حياتنا، والنار واسعة تأكل السائل و«المطوع» معاً، أخي الكريم الإباحة الأصلية شعار المبدعين، وليست آراء أشخاص يخضعون لعشرات المؤثرات ويتغيرون مع الزمن، وأقوالهم ليست نصوصاً متبعة.
كيف هو تعامل الصحوة مع الفن وأدواته؟ هل من فقه جديد تتلمسه فيه؟
- مجتمعنا كله وليست الصحوة فقط لا يتعامل مع الحياة بمهارة ودقة، فنحن نعظًّم كثيراً حسن المقصد وصدق التوجه على حساب الإتقان، وأعتقد أن مجتمعنا نجح في إطلاق المشاريع الكثيرة، لحسن المقصد، ولكنها تعثرت لضعف المهارة.
«طاش ما طاش» لم يجد هجوماً منك حيناً بعد حين؟
- مشكلتي مع «طاش» ليست فنية، وكتبت مرات عدة أنه يؤسس للسخرية من الشخصية السعودية، وجعل الإنسان السعودي أياً كان مثيراً للضحك، وأحياناً للاشمئزاز.
وللأسف تكوّنت مدرسة درامية سعودية كاملة بعد «طاش» تشوّه مجتمعنا بطريقة فجة، وتأخذ منا أجراً مضاعفاً لهذه الشتيمة.
وتحولت الظاهرة الفنية لظاهرة اجتماعية، فعبر الإعلام المتجدد ووسائل التواصل الاجتماعي، تغرقنا النكات والتعليقات التي تسخر من الشأن السعودي كله، صحيح أنها من نيران صديقة، لكنني أشك في أنها بأسلحة عدوة.
الرواية السعودية هل تشعر بأنها قادرة على صنع دراما معبرة؟
- قليل منها يصلح للدراما، لأن كثيراً من رواياتنا السعودية يطغى عليه الجانب الوجداني والفكري على صناعة «الكركتر» وبناء الحوار الدرامي وخط الزمن الروائي، وهي مهمة للتحول الدرامي.
وفي العالم كله ليس من الممكن أن تتحول كل رواية لعمل درامي، والذي ما زال خصباً درامياً ولم يستثمر التراث السعودي كله، وهو كنز درامي أشبه بالنفط لو استثمر فنياً.
لك صولاتك وجولاتك، لكن بصمتك مع عملك الرئيس في كلية الاتصالات والمعلومات غير واضحة؟
- أحب هذه الكلية كثيراً، وأنتمي لها بقوة، ورفضت عروضاً للانتقال من أجل البقاء فيها، وقدمت لها كثيراً، أسست بحمد الله فيها مركزاً للأنشطة متكاملاً ومركزاً إعلامياً للتدريب تخرج فيه عدد كبير من المتدربين، وما زلت أقدم مادة حرة باسم «تعليم التفكير» لطلاب الكلية، وعلى رغم ذلك، فالكلية تستحق مني أكثر مما قدمته لها.
ألا تشعر بأن بيئة التعليم الفني عندنا مضطربة وتطرد المبدعين من حواليها؟
- بيئة التعليم الفني ليست مستقلة عن الواقع الذي نزع يده من المهن بسبب فجأة الطفرة، فالمؤسسة في رأيي تحارب على جبهات كثيرة، لأنها تبني في بيئة غير مهيئة لقبول منتجاتها البشرية.
ما هي فلسفتك مع الكرسي؟ وما هي أطول مدة تراها للجلوس عليه؟
- الكراسي ذو الوظيفة الفنية كإدارة البنوك والقضاء والأمن ومنها الإعلام، لا يزيده الزمن إلا نجاحاً، فمديرو البنوك المركزية ورؤساء الاستخبارات ورؤساء الأجهزة القضائية ورؤساء تحرير الصحف ومديرو القنوات يعمرون عادة في العالم كله، ولا يتأثرون بفوز أو خسارة حزب.
أما الأجهزة الإدارية المعتادة، فلها أهداف محددة يفترض أن تتجدد، ولا أظن أنه بعد خمسة أعوام سيكون لديها شيء جديد، وللأسف كثير من المديرين تعيينه أصلاً مشكلة، ويجب أن يغادر الكرسي في يوم تعيينه.
الشأن العام
التعامل مع الشأن العام والرأي العام، هل تلزمه أدوات معينة؟
- الحرية والمسؤولية، إذا فقدت الأولى فهي مدائح لا جدوى منها، وإذا فقدت الثانية فهي فوضى لا معنى لها، فمنا من يريد أن تطلق يده في الشأن العام يقول ويفعل ما يريد كيفما يريد من دون مسؤولية يتحملها وضوابط يلتزم بها.
والبعض يتورم عنده جانب المسؤولية، فلا يريد الناس أن تتحدث إلا وفق «واس»، فهاتان الأداتان تبنيان تعاملاً متوازناً في الشأن العام.
الحرية مصطلح فكري شكّل حال صراع في فكرنا العربي، بينما هي حاجة إنسانية في الفكر الغربي فلماذا هذا الجدل؟
- الحرية جزء من حال الصراع الإنساني منذ القدم، وإن تعددت ألفاظها.
ولا يوجد وطن عبر التاريخ ليست فيه حرية كاملة، هي في كوبا وأميركا وفي الوطن العربي وبريطانيا.
ولكن الفرق في توزيعها في أميركا وبريطانيا تتوزع الحرية بعدل ووفق نظام واضح لقادة حرية بكمية يحددها القانون. وفي الوطن العربي الحرية بيد الرئيس والقائد، كل الحرية يوزعها على الناس وفق مراده الذي لا يخضع لنظام معلن.
والحرية في مجتمعاتنا هي الحرية السياسية فقط، بينما الحرية هي ممارسة فردية تجاه الحياة كلها، ومن يطالبون بالحرية في أوطاننا كثير منهم لا يقبل الحرية في مقاضاته ولا نقده، منا أفراد وتيارات لهم حرية بلا قيد وأفراد وتيارات في البلد ذاته عليهم قيود بلا حرية، إذاً فالصراع في ممارسة المصطلح، لا في فهمه وتفسيره.
لدينا عقول مفكرة يرون الأمور في شكل سليم ويستخدمون العقل، ولكن النتائج ليست كما نتوخى، أهناك مشكلة في التطبيق، أم أن الأهداف الخاصة دائماً تسابق الهدف العام؟
- التفكير السليم والعقل الراجح مكتسبات فردية، أما التنمية والإنجازات الحضارية فهي منتج مجتمعي، والعقليات الفذة موجودة في كل زمن وفي كل بلد.
ولا تقوم على أساسها حضارة رائدة ولا تنمية حقيقية، بنية المجتمع كله وأنظمته التشريعية والقانونية والاجتماعية والسياسية هي التي تصنع المنجز، وهي الفارق بين زمن وآخر، وبين حضارة وأخرى، وبين بلد وآخر، دول أوروبا الغربية وأميركا واليابان وكوريا ومن عالمنا الإسلامي ماليزيا وتركيا، ثمرة إنجاز مجتمع تكوّن في شكل صحيح، وليس بسبب مجموعة أفراد لديهم أفكار جميلة وعقلية فذة، والمجتمعات البسيطة هي التي تتعلق بأفراد مميزين ينقذونها.
نطالب بمؤسسات مجتمع مدني، وحين يوافق عليها تفشل في أدائها.. أين الخلل؟
- الخلل في تجزئة الحلول، المجتمع المدني هو شكل حضاري مكتمل، وليس هيئة هنا وجمعية هناك، هو أسس تشريعية وقضائية وبنية مجتمعية متكاملة، لذا ستموت حتماً شجرة مؤسسة مجتمع مدني في بيئة لا تنبت حياة، وإن نبت شيء فعشرات الجهات ستبادر لقطعه.
لدينا أنظمة وقوانين جميلة، لماذا جمالها يبقى أسير الأدراج المغلقة؟
- مشكلة الأنظمة والقوانين الجميلة أنها لا تفكر بدلاً منا ولا تعمل نيابة عنا، هي «جلمود صخر حطه السيل من علِ»، الأنظمة والقوانين المتوسطة التي تنخرط في آلية صحيحة مكتملة العناصر أولى من أنظمة وقوانين غاية في الجمال عهدنا بها يوم صدرت، لأن جداراً من جدر الفساد سقط عليها.
هل ما زلنا نعيش في دائرة الاتكالية، ونعتقد أن المسؤول عن مشكلاتنا دائماً هو شخص آخر، ألا توجد مسؤولية فردية؟
- تمارس الاتكالية في المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية وفي حقوق المجتمع علينا فقط، ولكن في مؤسساتنا الخاصة والبحث عن حقوقنا.
أرى أن المسؤولية ترتفع لدينا في شكل مبالغ فيه، إذاً هي اتكالية أنانية وليست مرضاً مستديماً، والأنانية تبنيها الأسرة في البيت، ثم نراها في التعليم، ثم في قطاعات الدولة ومشاريعها، فطبيعي جداً أن تكون الأنانية جزءاً من مكونات مجتمعاتنا العربية كلها.
الإسلاميون والليبراليون
الإسلاميون تسلموا دفة المجتمع السعودي أكثر من ثلاثة عقود، لو أتيح لليبراليين المدة نفسها، ما الذي سيتغيّر؟
- لم يتسلموا دفة المجتمع يوماً، ليسوا في الصحف ولا في التلفزيون ولا في الإذاعة ولا جمعيات الفنون ولا الأندية الرياضية ولا الأدبية، قد يكونون في قطاع التعليم، ولا يمكن أن نلوم صاحب المبادرة على مبادرته لبث قناعاته، هناك ليبراليون كثر منذ 50 عاماً في الصحف والأندية الأدبية وقطاع الإعلام وفي السلك الديبلوماسي والوزاري.. أين أثرهم؟
مفهوم التيارات هل نتلمسه في مجتمعاتنا بوضوح؟
- نعم وبوضوح جداً، نحن كبقية البشر بيننا اختلافات وفروق ووجهات نظر تصل أحياناً للتناقض، والتنوع جزء صحي في المجتمع، والإشكال في تحول التنوع إلى مكايدة وظلم وعدوان وبغي واتهام بعدم الوطنية والخيانة والدعوة لاجتثاث طرف أو قمع تيار.
الذين يستخدمون القوة لفرض رغباتهم مما يعانون؟
- هم يستخدمون أداة أتيحت لهم، لم يمنعهم نظام واضح ولا عرف عام، وطمعوا في ضعف الآخرين، طبيعة البشر يرغبون ويصلون لرغباتهم قدر استطاعتهم، ولكن في المجتمعات الناضجة تمنعهم القوانين والأعراف، ويعلمون أن أخذ الرغبة بالقوة سيكلّفهم كثيراً.
كوننا ننهج «المثالية» في كل شيء.. ألا يجعلنا ذلك نتقهقر أكثر؟
- المثالية الذهنية والإخفاق العملي ظاهر بلا شك، ونحن جميعاً مشاركون في هذه الأزمة، والفكر الأميركي في بداياته شخّص هذه الأزمة في العالم القديم - كما كان يسمى ذلك الوقت - ورأى أن الإنجاز أولى من الوعي، وأن الإنتاج أهم من الفكرة. ونحن مغرمون بالوعي والأفكار، ولا نبالي بالإنجاز والإنتاج.
لماذا النظام التعليمي العام في السعودية «متخلف»، ولم ينتج أجيالاً قادرة على مواجهة التحديات؟
- «متخلف» لفظ قاس جداً، قطاع التعليم فيه نقص كبير، ولكن له نجاحات كثيرة، وعدد كبير جداً من الناجحين في مجتمعنا هم نتاج التعليم.
ويمكن أن أصف القصور في نقطتين، الأولى أن الوزارة هي التي تعتمد التعليم والتطوير وتنفذهما، وهي التي تقوم التعليم، وهي التي تعلن نجاحه، لذلك تتغيّر بتغير الوزير ووكيل الوزارة يتبنى مبادرة تعليمية تنتهي معه إذا تقاعد أو نقل، ودور الوزارات في العالم الناجح هو دور تنفيذي فقط، يحقق أهدافاً مرسومة له بدقة لا تتغير بتغير وزير ولا تتبدل باقتراح وكيل ولا تنقلب استجابة لحدث طارئ.
والنقطة الثانية أن نقد التعليم يتم من غير المؤهلين، وللأسف فإن قوة صوتهم مؤثرة، ما سبب إرباكاً لسياسات التعليم، ومن المضحك أنهم ظنوا أن التعليم هو الكتاب المدرسي، لذا بدل مرات كثيرة استجابة لذلك.
بينما التعليم ملف متكامل يعتبر الكتاب المدرسي من أصغر جزئياته، وكذلك الهجوم عليه بأنه يدعو لكراهية الآخر لوجود ألف تكفيري بين الطلبة، وربما قال آخر إنه يدعو للإلحاد لأنك ستجد ألف ملحد أيضاً.
البعض يقول إن «التعليم في السعودية «اختطف وما زال مُختطفاً» على من نقيم حد الحرابة هنا؟
- نقيمه على مدعي الاختطاف بلا برهان، الذين يرون أن بلادنا جزيرة للاختطافات المتبادلة، فالتعليم مختطف من التيار الديني، والإعلام مختطف من الليبرالي، والصحة مختطفة من القبيلة الفلانية، والعقار مختطف من المنطقة هذه.
ومن تتبع هذه الاتهامات المتبادلة يشعر بأننا بلاد عشوائية يتسابق فيها الناس على اختطاف ما يقدرون على خطفه، وكل من أخفق في قطاع وفشل في تسويق رأيه وإقناع الناس بفلسفته، ادعى أن الاختطاف هو السبب، وعلى هذا ممكن أن تدعي أندية أن دوري كرة القدم مختطف من الهلال، وكرة اليد مختطف من الأهلي، وأن «طاش» اختطف الدراما أعواماً عدة، ومحمد عبده يختطف الغناء منذ 50 عاماً.
الرؤية السياسية والتوجس
الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة.. هل تراها الثالوث المحبط للتنمية عندنا؟
- هذه من ابتسار القضايا الذي حجب عنا الإصلاح الحقيقي، وجعل وصفنا للمشكلات جزافاً بلا علم ولا عدل، التنمية عندنا ناجحة في بعض مناحيها، وفاشلة في أخرى، وبينهما نجاحات وفشل معاً.
نحن نعاني من ضعف الرؤية السياسية ومن توجسات الخوف من تغير الثقافة ومن ضعف إداري بارز، ولكن هناك أسباباً كثيرة أولى مما ذكر في السؤال من الفساد المالي والإدري وضياع تكافؤ الفرص والمحاباة في التعيينات وفشو الواسطة وغياب تفعيل الأنظمة لتحقيق العدالة وغياب مراكز الدراسات والبحوث وضعف وقصور الأنظمة العدلية وغياب التحفيز وضعف الرقابة وغيرها.
كلها أسباب لبطء التنمية ولن نحل مشكلاتنا إن وضعنا سبباً واحداً لحدوثها ثم سبباً آخر لحلها هذا التبسيط يقتل الحضارات.
هل تشعر بأن مجتمعنا ضحية التأزم الثقافي العام الذي شهدته السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية؟
- مجتمعنا ليس جيفة ميتة حتى نصمه بأنه «ضحية»، وربما نكون من أكثر البلدان العربية نجاحاً متكاملاً على رغم إخفاقاتنا وعلى رغم أن الدول العربية للأسف ليست مقياساً، ولكن بعض العبارات مفخخة لغرض الصراع الفكري وللمكيدة فلسنا ضحية، ولكنها اختلافات ونقاشات نجحت وأخفقت، وظل المجتمع ينمو بعيداً عنها.
لماذا هناك «الطلاق البائن» بين الجامعة وتيارات الفكر والثقافة في المجتمع؟
- تتحمل التيارات هذا الطلاق بنسبة أكبر، لأن صراعها تحول من الأفكار إلى التخوين والتخويف ودعوة الدولة للقمع، ما جعل الاقتراب منها خطاً ساخناً لا تحتمله الجامعات وتحول الجدل الفكري لنزاع بغيض في كثير منه لا تحتمله الجامعات المحترمة.
تجربة التعليم الأجنبي في منطقة الخليج العربي، هل تختصر الطريق، أم تطمس الهويات؟
- تختصر الطريق كثيراً، وتنقل التجارب عملياً وسلبياتها قليلة في مقابل دورها الريادي، ولا يمكن لدولة أن تسمح بتحول التعليم لاستلاب ثقافي بل هو تخوف من مخلص، لكنه مبالغ فيه.
الإعلام الجديد
الإعلام الجديد هل كشف عوراتنا في مجتمعنا السعودي؟
- الإعلام المتجدد أشبه بالعدسة المكبرة اقترب منا كثيراً، فأبرز ما كان خافياً وكثّر ما كان قليلاً، فكشف لنا مبدعين ورائعين ومثقفين وخفيفي ظل. ولأن العدسة محايدة كشفت لنا عورات كثيرة كانت في الخبايا مستترة والمجتمع الناضج لا تحزنه معرفة عوراته، ولكن يحزنه تجاهلها وإهمالها.
لم أصبح «تويتر» ساحة استعداء بعضنا لبعض؟
- بعضنا للتو يكتشف أن سعوديين آخرين لا يتفقون مع تصوراته وآرائه، فلم يحتمل هذا الاختلاف، وآخرون يدافعون عن أفكارهم الصحيحة بطريق خاطئ، وغيرهم متخفٍ وراء الأقنعة يشتم من دون مسؤولية، وعلى رغم ذلك تبقى ساحة «تويتر» رائعة وجميلة ومفيدة وحوارات ناضجة بعبارات بديعة.
كيف تقوّم تفاعل المؤسسة الأمنية والإعلامية مع المشاركات في الإعلام الجديد؟
- تتعامل بطريقة جيدة وحضارية، وهذا محسوب لها بلا شك، وكشف لنا «تويتر» أن النقد والتعبير عن الرأي مهما كان أسلوبه فظاً غليظاً، فإن تأثيره في الآخرين ضعيف، وأن مطاردات الناس في أقوالهم تعطيها زخماً أكثر وتأثيراً مضاعفاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.