فاز الفلسطيني محمد عسّاف بلقب «أراب آيدول»، وتحوّل بين ليلة وضحاها نجماً ذائع الصيت في عالم الغناء العربي، تتناقل أخباره وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وبات عليه الانتقال محفوفاً بالإعجاب، وبالاحتشاد الجماهيري، من بلد إلى آخر، ليس في العالم العربي الممتد ما بين محيط وخليج فقط، بل حتى أوروبا وأميركا. ومن عالم الغناء إلى عوالم السياسة والديبلوماسية. ومن مستوى فنان مبدع إلى مستوى الرمز الوطني. سرعان ما أمكن للفتى الرقيق عبور المسافات الوعرة التي يشقّ على غيره قطعها بهذا اليسر! صار صاحب لقب «أراب آيدول»، سفيراً على مستوى الأممالمتحدة، وميزاناً للوحدة الوطنية، نافحاً في الروح الفلسطينية المُتعبة نسمة أمل، دالاً على أحقية الفلسطينيين بالرقص والفرح، كما شعوب العالم كلها. ليس من النباهة التقليل من أهمية فوز عساف بلقبه ذاك، ولا الانتقاص منه، ومن المكتسبات المادية والمعنوية، الشخصية والعامة، التي نالها عساف والفلسطينيون معه. ولا ينبغي النظر بعين الحسد أو الضغينة إلى انقلاب حال المغنّي، من عنت قطاع غزة المُحاصر وضيقه الخانق، إلى آفاق دبي ورفاهيتها، ورحابة العالم الأوسع وبحبوحته. شعار محبيه في ذاك «علّي الكوفية علّي ولولح بيها». قبل فوز عساف، بأشهر قليلة، كان ثمة «فلاح» فلسطيني، من قرية بلعين يحقّق ما لم يستطعه الكثير من المبدعين العرب. عماد برناط؛ فتى أعزل، ومجهول تماماً، يُنجز فيلماً وثائقياً بعنوان «خمس كاميرات مكسورة»، يرجّ الأوساط بفيلمه هذا، ويرتقي درجات النجاح، وصولاً إلى المنافسة الأخيرة على جائزة أوسكار أفضل وثائقي في العالم، للعام 2013، لتقف الجائزة متردّدة بين فيلمه، وفيلم «البحث عن شوغر مان»، قبل أن تميل إلى هذا الأخير، وسط دهشة كبار سينمائيي العالم، وفي مقدمتهم مايكل مور، المتحمس الأشهر لبرناط وفيلمه، وبن أفليك الذي كان عليه إعلان النتيجة. قبل الأوسكار، وبعدها، جال فيلم برناط العالم: مهرجانات كبرى، وشاشات عالمية عريضة، ومحطات تلفزيونية. فيلم ينقل للعالم صورة الفلسطيني الحقيقية، قضيته، أمله، ألمه، حلمه، من خلال سيرة شخصية لفلاح من قرية بلعين، استطاعت كاميراته قيد التحطيم واحدة تلو الأخرى على أيدي جند الاحتلال الإسرائيلي، تسليط الضوء على معاناة يومية، أمكن لها قول الكثير بشأن القضية الفلسطينية برمّتها. لم ينتبه أحد لعماد برناط. تُرك وحده يصنع فيلمه، ويوصله إلى العالم، ويجول برفقته على 40 مهرجاناً، متحدثاً بلكنة فلسطينية غارقة في فطرتها وبراءتها وعمق بيئتها، ترى العالم ينتهي عند حدود القرية، وتؤمن أن القضية تبدأ من شجرات الزيتون التي يلتقطها بيديه. ليس لدى عماد برناط من يهاتفه. لا ألق نجوم تلمع في سمائه، ولا ضجيج شهرة يرنّ حوله. والمحتفون بالصوت لا ينتبهون الى أن الصورة هي الأهمّ والأبقى والأكثر تأثيراً.