أنشأت الولاياتالمتحدة الأميركية قواتها البحرية في القرن الثامن عشر لحماية تجارتها من القراصنة، إلا أنها استمرت في تطويرها إلى أن أصبحت فخر قواتها ونخبة الجنود النظاميين في العالم. تأسست البحرية الأميركية في بداية حرب الاستقلال بين الثوار وبريطانيا العظمى، قوة الاحتلال، بعد مشاورات ونقاشات حامية في مؤتمر فيلادلفيا عكست انقسام الآراء، إذ كان المؤيدون يؤكدون إنها ستوفر الحماية للنقل والتجارة البحريين، وستسهل الاتصال بالدول الأخرى، فيما يرى المعارضون أن مجابهة البحرية الملكية البريطانية قد تكون لها عواقب وخيمة. يومها قال الرئيس الأميركي توماس جيفرسون واصفاً أهمية وجود قوات بحرية: «إذا أردنا الاستمرار في تجارتنا، علينا أن نؤسس قوة بحرية قوية». وفي النهاية صدر القرار بتأسيس بحرية الولاياتالمتحدة الأميركية بتاريخ 25 تشرين الأول (أكتوبر) 1775 لحماية السواحل. وفي العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، تشكلت قوات «المارينز» بموجب قرار من الكونغرس الذي اجتمع في فيلادلفيا وقرر تشكيل كتيبتي مشاة للخدمة في المعارك البرية مع الأسطول. وكان عضو الكونغرس جون أدامز راعي قرار تشكيل هذه القوة التي تحولت بمرور الوقت إلى أحد أهم فروع القوات المسلحة الأميركية، وباتت تضم نخبة جنود أميركا. التطور قال الرئيس الأميركي الأسبق جورج واشنطن واصفاً القوات البحرية في العام 1776: «في ظلام الليل الدامس، نحتاج القوة والسفن البحرية، فبدونها ليس لنا شيء، ومعها لنا النصر والكرامة». كانت أول معركة شاركت فيها قوات «المارينز» غزو جزر الباهاماس في 1776، تحت قيادة الكابتن صامويل نيكولاس، أول قائد لها، والذي استمر في منصبه خلال الثورة الأميركية التي انتهت باتفاقية باريس في نيسان (أبريل) 1783، واعترفت بريطانيا بموجبها باستقلال أميركا. لكن الولاياتالمتحدة تخلت بموجب المعاهدة نفسها عن قوتها البحرية، وباعت آخر سفنها، وحلت قوات «المارينز»، لتظل عقدا كاملا من دون سلاح بحرية. غير ان الهجمات التي كانت تتعرض لها سفنها التجارية من القراصنة، سرعت العودة عن القرار. وأطلقت أول سفينة حربية للبحرية الأميركية في العام 1797، وعلى رغم الحماية التي وفرتها تلك السفينة لحركة التجارة، اقترح القادة الأميركيون إضافة سفن أخرى وتوسيع قدرة السلاح، وتم بالفعل تدشين ست فرقاطات في 27 آذار (مارس) 1794. ووضعت البحرية الأميركية بعد ذلك خطة عمل كبيرة لطرد القوات البريطانية من أراضيها العام 1812، ونجحت بالفعل في طرد سفن عدة تابعة للبحرية البريطانية، ودفعت جميع القوات البريطانية إلى الخروج من بحيرتي إري وشامبلين. بعد ذلك ساهمت البحرية الأميركية في الحرب المكسيكية، من خلال وضع متاريس على الموانئ، لمنع القوات المكسيكية من التحرك، وللسيطرة أيضاً على شواطئها، وتولَّت سفنها محاصرة وحرق الأسطول المكسيكي في خليج كاليفورنيا، والاستيلاء على جميع المدن الرئيسة في شبه جزيرة باها كاليفورنيا. وفي وقت لاحق نجحت في الوصول إلى عاصمة المكسيك والسيطرة عليها، وضم ولايات تكساس وكاليفورنيا ونيومكسيكو ونيفادا، ليتم الإعلان عن الولاياتالمتحدة قوة عسكرية عالمية، وهو ما اثبتته لاحقا بشكل أكبر بعد إرسال اساطيلها إلى اليابان في 1854. وساهمت البحرية الأميركية بعد ذلك في فتح عهد جديد في تاريخ البحرية العالمية، من خلال استخدام أولى السفن البخارية الحربية في معركة هامبتون العام 1862، لتُظهر قدرة عسكرية جبّارة. القوة الأكبر في العالم استمرت الولاياتالمتحدة في تطوير قدراتها البحرية إلى أن أصبحت قوة هائلة في الأعوام التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وحاولت اليابان تبديد التهديد الإستراتيجي وسيادتها على المحيط الهادئ، فهاجمت ميناء بيرل هاربور في 1941، ما دفع أميركا إلى المشاركة في الحرب. ودخلت البحرية الأميركية معارك مهمة كثيرة، بما في ذلك معركة بحر المرجان ومعركة ميدواي وجزر سليمان ومعركة بحر الفيليبين ومعركة خليج ليتي ومعركة أوكيناوا، وبحلول العام 1943 كان حجم قوات البحرية الأميركية أكبر من الأساطيل المشتركة لجميع الدول المقاتلة الأخرى في الحرب العالمية الثانية. وفي نهاية الحرب الثانية عام 1945، كانت بحرية الولاياتالمتحدة أضافت مئات السفن الجديدة، بما في ذلك حاملات الطائرات «إف-18»، و«البوارج 8»، وأصبحت تشكل أكثر من 70 في المئة من الأرقام الإجمالية للسفن القتالية في العالم. المارينز والعرب على رغم الهالة التي تحيط بقوات «المارينز»، تعرضت هذه إلى ضربتين موجعتين في المنطقة العربية خلال القرن العشرين. الأولى كانت في لبنان في مطلع الثمانينات، عندما نزلت القوات الأميركية في بيروت في اطار قوة متعددة الجنسية لاحلال السلام في اعقاب الغزو الاسرائيلي العام 1982، لكن هجوما بشاحنة مفخخة استهدف مقر قيادة «المارينز» بالقرب من مطار بيروت الدولي، وقُتل فيه نحو 200 جندي، ما دفع الرئيس الأميركي في ذلك الوقت رونالد ريغان الى اتخاذ قرار بسحب هذه القوات على الفور. وكانت الثانية في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون، عندما نزلت القوات الأميركية على سواحل الصومال، في إطار قوة دولية تهدف الى إنهاء الحرب الأهلية هناك، في عملية حملت اسم «إعادة الأمل». لكن إحد الفصائل المسلحة الصومالية تمكن من إسقاط مروحية من طراز «بلاك هوك» وعلى متنها حوالى 17 من جنود «المارينز»، قتلوا جميعا، ومثَّل الصوماليون بجثثهم، ما اضطر كلينتون أيضاً إلى سحب القوات من الصومال. وفي اوقات السلم تشارك البحرية الأميركية مع قوات دول اخرى في عمليات البحث والإنقاذ في حالات الكوارث.