قدّم الفنانان السعوديان عبدالله السدحان وناصر القصبي في حلقتي «سيوف المها» صورة مختلفة تماماً عن برنامجهما «طاش - 16» وكذلك عن نفسيهما كممثلين أبدعا على مدى سنوات طويلة في فن الكوميديا. فالجمهور العريض الذي لم يزل ينتظر بشوق كل رمضان موسماً جديداً من «طاش» الذي اختصر «طاش» ثانية من اسمه في الموسمين الأخيرين، اتسم بسمة الكوميديا ليقدم من خلالها نقداً جميلاً لواقع المجتمع وأحواله وشؤونه وشجونه، بقوالب فكاهية محببة. وكما كل الأمور والأعمال التلفزيونية، فإن بعض الحلقات توفق باختيار الموضوع والتمثيل والإخراج وبعضها يكون أقل توفيقاً، لكن هذا لا يعني أن البرنامج لا يستحق انتظار المشاهدين عاماً بعد عام لمشاهدته على محجة «أم بي سي». ونجاح هذا المسلسل التلفزيوني الرمضاني، لم يعد يستقطب الجمهور السعودي عن بكرة أبيه وقت الإفطار وعند السحور بل تجاوز حدود المملكة الى الجمهور العربي الواسع مفسحاً أمام الأعمال السعودية والخليجية، مجالاً واسعاً لتنتشر بطابعها الخاص والمميز لدى الجمهور العربي من المحيط الى الخليج.وهذا تماماً ما قدمتها حلقتا «سيوف المها» ببعدها الدرامي والاجتماعي والمأسوي أيضاً.والحلقتان ترويان قصة فتاة (الممثلة الكويتية ملاك) كانت تعيش بدلال مع أبيها وزوجته التي ككل زوجات الآباء لا تحب أبناء زوجها، فيتوفى أبوها وتتزوج زوجته برجل آخر «تلعب» عيناه عليها فتفر من المنزل ليلتقطها شاب غير سوي - يتعاطى المخدرات ويروجها - في الشارع ثم يطردها الشاب فينقذها رجل طيب ويتزوجها ويعيد إليها الأمل الذي فقدته لحظة خروجها الى الشارع مع ما يحمله هذا الخروج من خطر على امرأة وحيدة في شوارع السعودية حيث في الواقع لا تخرج المرأة ولا تسافر ولا تتجول من دون محرمها. لكن البؤس يعود إليها عقب خروج الشاب غير السوي من السجن فيبتز زوجها ويهددها بصور التقطها لها بجواله، فتأتي إليه وتقتله ثم تواجه مصيرها تنفيذاً لحكم القصاص. هذه القصة تحصل في كل مجتمع وتحضر في المسلسلات والروايات العربية منذ عرف العالم العربي التلفزيون، لكن كتابتها وتمثيلها من جانب فنانين سعوديين وإسقاطها على مجتمعهم أمر يستحق الوقوف عنده كثيراً، نظراً الى الجرأة والذهاب بعيداً في طرح القضايا الاجتماعية تلفزيونياً. ومحل الإعجاب أن الجمهور العربي ترتسم في أذهانه صورة عن المجتمع السعودي بأنه محافظ وأن مثقفيه وفنانيه يتحاشون التطرق الى مثل هذه الأمور، كما أن سلطات الرقابة الرسمية تضع قيوداً صارمة على أعمال جريئة من هذا النوع، ولا تسمح بعرضها تلفزيونياً ولا حتى الكتابة عنها. لكن هذا العمل التلفزيوني، من كتابته الى تمثيله بما يتضمن من مشاهد وإيحاءات وكذلك السماح بعرضه على محطة فضائية، أمر أصاب غير عصفور بحجر واحد: جرأة القائمين على العمل بالطرح، وجرأة السلطة بالسماح بعرضه، وجرأة السدحان والقصبي على استبدال صورتهما الكوميدية بأخرى درامية... هذا عمل تلفزيوني يقول للعالم إن في السعودية مبدعين أصبح التليفون لعبتهم بامتياز.