يختصر أعوام العمر، يقفز إلى الرجولة بقطعة من الحديد لا يتجاوز وزنها كيلوغرامات عدة، يحاول إثبات أنه أصبح منذ الآن أكبر. ربما يجعله المسدس ذا وزن، وربما يعتقد أن البندقية الآلية على كتفه تجعله أطول! هو الشعور بالقوة - المفقودة دونه - من يجعل الطفل والمراهق يقبل على السلاح.. يحبه.. ويتمسك به. عوامل كثيرة تجعل من الطفل أو المراهق يقترب من السلاح على رغم أنه يخشاه بداية، فور أن يعرف مدى تأثيره، وطريقة استخدامه فإنه يركض باتجاهه، ليصبح أحد أحلامه. لكن ما الذي يغذي هذه الرغبة؟ وكيف تولد؟ الأسباب ليست قليلة، خصوصاً في العصر الحديث، شخصيات مثل «رامبو» و«ترمينيتر» و«روبوكب» في ثمانينات القرن الماضي، ومن قبلها أفلام رعاة البقر في الستينات والسبعينات، بأبطالها المحبوبين جعلت من السلاح شيئاً مألوفاً بل محبوباً لدى أجيال كاملة حول العالم. أتت ألعاب الفيديو التي انتشرت في الأعوام ال30 الأخيرة لتعزز العلاقة وتقرب بين الطفل والمسدس، وتجعل من أزيز الرصاص لحناً مفضلاً لدى شريحة كبيرة من المراهقين، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في بيئات خالية من السلاح. الفطرة ذاتها التي تجعل الطفل يستقوي ويكبر بالسلاح، هي من تجعل دولاً تملك أسلحة غير تقليدية تستقوي على دول أضعف. من خلال الدراسات والبحوث الاجتماعية والأمنية الخاصة بقضية حمل الشبان والمراهقين السلاح كانت أكثر النتائج تشير إلى أن من يحمل السلاح في هذا العمر يميل إلى إثبات ذاته، وغالباً ما يكون العنف نتيجة حتمية لحمله بين هذه الفئات. ففي أميركا عام 2008 سجلت 1.5 مليون حالة عنف، وفي نيويورك قُتل 140 طالباً أعمارهم بين 14 و17 عاماً جراء هذا العنف، وسجلت شهادات المعتدين من المراهقين ممن استخدموا السلاح بأنهم شعروا بالتهديد والاضطهاد والمضايقات. ورصد المركز المصري لدراسات حقوق الإنسان عام 2010 أكثر من 1000 حالة عنف بين المراهقين. وتؤكد أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة الأميرة نورة الدكتورة غادة الطريف أن الشبان والمراهقين حين يحملون السلاح بأنواعه فهم يعتبرونه تذكرة دخول عالم الكبار، وهي أسباب ذاتية تدفعهم لها محاولة الحصول على القوة والرجولة. وتشير إلى أن «الجرائم في ازدياد»، ما يعني ارتفاع كلفة التعامل معها ومكافحتها بعد وقوعها، الأمر الذي يقتضي إلقاء الضوء على الأساليب الحديثة في الوقاية من الجريمة قبل وقوعها وإعادة النظر في كل الأساليب المستخدمة الموجودة لرفع كفاءتها وأدائها وتطويرها وإدخال أساليب أخرى جديدة للوقاية تختلف عن الأساليب المألوفة. وتؤكد العديد من التقارير التي تُنشر إعلامياً ازدياد هذه الظاهرة وتناميها، وأن لها علاقة مباشرة بمشاهدة أفلام «الأكشن» التي خصصت لها فضائيات مستقلة، وغالباً ما تعرض هذه القنوات أفلاماً من الإنتاج الغربي ولحقه العربي في ما بعد، ليظهر البطل الفاشل في الدراسة والعمل والعلاقات الاجتماعية في صورة القوي الذي يتحدى السلطة ليسرق ويقتل ببراعة وذكاء ويعيش المتعة الشخصية طوال مدة الفيلم، ما يجعل المراهقين والشبان يتمنون ممارسة سلوكه وتقمصه على الواقع. وتناول الباحث الدكتور زكريا يحيى لال من جامعة أم القرى هذا الأمر في كتابه «العنف في عالم متغير»، بقوله: «ينقسم علماء النفس والاجتماع في رؤيتهم لتأثير مشاهد العنف، فمنهم من يراها ضارة ومنهم من يعتبرها ضرورية للتنفيس عن الكبت الموجود داخل كل إنسان، صغيراً كان أم كبيراً، ويمكن تصنيف المواقف إزاء هذه القضية إلى ثلاثة مواقف رئيسة، فهناك موقف يرى أن مشاهد العنف والإجرام في التلفزيون تلعب دوراً تربوياً كونها تعلم المُشاهد أن «الجريمة لا تفيد»، وأن المجرم لابد أن ينال جزاءه الرادع، إما بأن يقبض من طرف رجال الشرطة ويودع السجن وإما أن يموت، إلا أن ما يؤخذ على هذا الرأي هو أن عملية عقاب المجرم دائماً ما تكون في نهاية الفيلم ولا تعرض سوى دقائق قليلة، أي بعد أن يكون المشاهد عاش طوال الفيلم وهو مشدود إلى جميع ما يصدر عن المجرم من حركات وتعابير ومواقف تثير إعجابه ودهشته. وهناك من علماء النفس على وجه الخصوص من يرى أن مشاهد العنف تترك أثراً إيجابياً في سلوك الإنسان، إذ تقوم بوظيفة «تطهيرية» أو «تعويضية»، كونها تشكل متنفساً غير ضار يتخلص بواسطته من مشاعره العدوانية. وتقول الاختصاصية النفسية عايدة الصنيع إن خطورة الإعلام والأفلام ونوعيتها تؤثر من دون شك في المراهقين والشبان، وبخاصة إن كانوا يعيشون في بيئات أسرية مفككة أو متصدعة ولا يجدون أي نوع من إشباع حاجاتهم النفسية الأساسية، كالحب والقبول والتقدير الاجتماعي. كما أن الأوضاع المادية القاسية والصعبة والفشل الدراسي، إضافة إلى لو أنهم عاشوا في بيئات مارست معهم العنف والضرب، كلها أسباب تجعلهم يتجهون إلى تقمص وتقليد ما يرونه لأجل إثبات ذواتهم في بيئة تهمش وجودهم أو تقصيهم.