شكِّلت «جبهة النصرة لأهل الشام» أواخر عام 2011، وسرعان ما نمت قدراتها لتصبح في غضون أشهر من أبرز قوى الثورة، وفي 2013 نيسان (أبريل) وبرسالة صوتية بُثت من طريق «شبكة شموخ الإسلام»، أعلن أبو بكر البغدادي دمج فرع جبهة النصرة مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى (الدولة الإسلامية في العراق والشام). عدا عن 800 سجين إسلامي أطلق سراحهم من سجون النظام السوري في السنة الأولى للثورة السورية، فقد تمّ إطلاق سراح ما يقرب من ألف مقاتل من سجون نظام المالكي في العراق، قيل إنهم «هربوا»، ليتوجهوا إلى سورية بتنسيق بين النظامين، كان واضحاً أن انسحاب قوات بشار الأسد أمام داعش، له أبعاد خطيرة هي جزء من سيناريو النظام السوري لتحطيم الثورة، بالتلاعب الداخلي والخارجي، لكن الغريب أن مجموعات إسلامية سورية العناصر انسحبت بدورها أمام داعش من دون قتال، وهو ما يثير تساؤلات ربما لا تحظى بإجابات مقنعة حتى الآن. قابلت «داعش» انسحاب النظام بالكثير من العرفان حتى أنها لم تفتح أية جبهة حقيقية ضده، بينما قابلت انسحاب المجموعات السورية الإسلامية وحياديتها، بمزيد من التصعيد حتى أنها أعلنت الحرب على كتائب الفاروق قبل معركة أعزاز وقتلت عدداً من الضباط والعناصر من المجموعات الإسلامية السورية والجيش الحر. وصلت داعش» إلى الرقة التي تمّ تحريرها من قبل الجيش الحر والمجموعات الإسلامية السورية بسرعة، وكانت الرقة المحافظة الأولى التي يتم تحريرها، هكذا كانت الأرض سهلة لداعش لتبدأ دخول الرقة وتبسط سيطرتها هناك، لتنطلق لاحقاً إلى إدلب وحلب ومناطق أخرى في شرق سورية كدير الزور، وفي قرى قليلة في درعا، هكذا بدأت بممارسة سياسة الأمر الواقع وتتعامل مع السكان بمزيد من التشدّد، ولم ينج من بطشها الناشطون السلميون الذين اعتقلت منهم ألفاً، ومات بعضهم في سجونها، وبدا أن «داعش» تسير بخطى ثابتها باتجاه إعلان دولتها الإسلامية، ومؤخراً أعلنت إمارة إسلامية في بلدة الدانا في إدلب. في بداية تواجدها في الريف الشمالي قامت بالكثير من أعمال السرقة والخطف والنهب، كوسيلة لتمويل ذاتها لكن تسليحها الجيد ورواتب أعضائها الممتازة وتجهيزاتهم اللوجستية الحديثة التي تتفوق على كل ما يملكه الجيش الحر وبقية الكتائب الإسلامية السورية يشير إلى أن لها مصدر تمويل قوياً وثابتاً، لم يعرف حتى الآن بشكل قطعي. آراء ناشطين بحسب باحثين ف «داعش» ما هي سوى انشقاق عن جبهة النصرة، وهو ما يخالف إعلان البغدادي، أي كونها اندماج بين النصرة السورية وبين القاعدة القادمة من العراق، يعتبر بعضهم أعضاء داعش «مجموعة من الأصوليين الهواة». عبدالله من دمشق يقول إنهم «في الأساس خرجوا من سجون النظام لا سيما من معتقل صيدنايا بعد صفقة تمنحهم حرية العمل داخل سورية شرط عدم الاقتراب من قوات النظام»، وهو ما يلاحظه أغلب الناشطين على الأرض، حيث لم يعرف عن أي معركة بين «داعش» وقوات الأسد في الوقت الذي قتلت الكثير من قادة الجيش الحر وفتحت معارك عدة مع فصائل إسلامية سورية الهوية. وفيما «انشغلت داعش بالنهب والسرقة وظلم السوريين، تفرغت النصرة –التي يغلب على مقاتليها الهوية السورية - لخدمتهم» كما يقول الإعلامي موسى العمر، وفي الوقت الذي قاتلت جبهة النصرة النظام وقامت بعمليات نوعية كما يرى البعض حيث تخصّصت بضرب حواجز النظام التي لم يستطع أحد من قوات الجيش الحر ضربها، لم تطلق داعش- ومعظم مقاتليها أجانب- طلقة واحدة باتجاه قوات النظام الأسدي، بل تفرغت قواتها لاحتلال المناطق المحررة وقتال الجيش الحر واعتقال المدنيين ولا سيما الناشطين السلميين وناشطي الإغاثة وفي النهاية إعدام عدد من الناشطين والمدنيين بتهمة انتمائهم إلى «طوائف كافرة» كالعلوية والإسماعيلية! سمر ومؤيد وهما ناشطان من ريف دمشق يعتقدان أن داعش هي أحد الفصائل «المرتبطة مباشرة بالاستخبارات الجوية» التابعة للنظام السوري، فيما يعتبرها البعض «تنفذ أوامر إيرانية»، وتعتبر صفحة تنسيقية إدلب الحرة على فايسبوك أن داعش ليست سوى «فرع من حزب البعث برعاية إيرانية». لكن زميلهما حسام يعتقد أن «داعش ليست من عملاء النظام، لكنها حليفته ويقول مقارناً تحالف النظام مع قاعدة العراق: «هناك ملفات كثيرة تتحدث عن علاقة النظام بالقاعدة في العراق والتي كان لإيران علاقة قوية بها». ومن هنا يجد إمكانية لعلاقة ما بينهما. أما من جهتها، ف «داعش» تعترف أنها فرع من تنظيم القاعدة يعمل في سورية ويأمل ببناء دولة إسلامية على الأراضي العراقية والسورية. وفي الوقت الذي يقول بشار الأسد للصحافة الغربية إن سورية تتعرض لهجوم من «القاعدة» نجده قدم أكبر خدمة للقاعدة ممثلة ب «داعش» بخروجه من الرقة الأمر الذي قابلته القاعدة بعدم إطلاق النار باتجاه قواته، كانما هناك هدنة أو تفاهم سري ما بين القاعدة وبشار الأسد.