أكد الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور خالد الدخيل، أن الإدارة الأميركية غير معنية بسورية، وما يهمها «الكيماوي» فقط، موضحاً أن تأجيل الضربة العسكرية المتوقعة أو إلغاءها يعود لانفراج المصالح بين أميركا والصين وإيرانوروسيا، خصوصاً أن الأطراف كافة مقتنعة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد. ولفت إلى أن روسيا قلقة من المد الإسلامي بعد الربيع العربي، فلديها أقليات إسلامية، منها الشيشان وداغستان، إضافة إلى أن أغلبية سكان الاتحاد السوفياتي من حولها مسلمون، غير أنها أعلنت أنها لن تكون طرفاً في الصراع، مشيراً إلى أن الوضع السياسي الداخلي السوري مشابه لإسرائيل، وإلى أن الأزمة الحالية بدأت بثورة وانتهت بحرب طائفية. وقال الدخيل في محاضرة ألقاها في سبتية الجاسر، التي أدارها الدكتور جاسر الحربش أمس، إن 70 في المئة من السوريين من الطائفة السنية، و10 في المئة من العلويين، وأقلية كردية، ما يشكل فسيفساء غير متجانسة. وأوضح أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كان يخطّط قبل وفاته ب20 عاماً لتشكيل سلالة حاكمة في الشام تحتمي بالطائفة، لتفادي سيطرة الحجم الديموغرافي السني الكبير من حولها كما تفعل إسرائيل بتجميع اليهود فيها على سياسة مواجهة العرب، لإدراكها أن الدول العربية والإسلامية من حولها خطر دائم يهدد وجودها. وقال إن سورية تنفذ سياسة الجدار الحديد في قمع شعبها، لخلق حال من «اللا أمل» حتى عند الأطفال تماماً مثلما ترد إسرائيل على إلقاء حجر فلسطيني عليها بقصف بطائرات حربية من دون أي تردد، لافتاً إلى أن تدمير مدينة حماة التي تحصن فيها الإخوان المسلمون في عام 1982 على يد حزب البعث كان للحفاظ على جدار السلطة المبني على الدموية. وأضاف: «أن الراحل حافظ ومنذ توليه خطّط لترييف سورية، وإشغال السنة بالبرجوازية والتجارة في عدد من المدن، منها حلب ودمشق وحماة، ما أبعدهم من المؤسسات العسكرية، في الوقت الذي سارع فيه القادمون من الأرياف، ومعظمهم علويون، إلى الانخراط في السلك العسكري»، موضحاً «أن سورية كانت معرضة لحرب أهلية بين حافظ المدعوم بقوات الجيش، وشقيقه رفعت المدعوم بسرايا الدفاع التي يقودها، والمسماة حالياً الفرقة الرابعة التي يترأسها ماهر الأسد، بعد أن أدرك حافظ أن شقيقه مرشح للسلطة من لجان طوارئ مشكّلة من دون علمه، لبحث مستقبل سورية بعد وفاته، خصوصاً بعد تدهور حاله الصحية، إذ كان التدخين أحد أسبابها كونه يتناول ست علب سجائر يومياً. وأوضح الدخيل أن قضية توريث الحكم بعد حافظ «كانت خطاً أحمر يحظر التحدث عنها في سورية ولبنان حتى على مستوى الحرس القديم، وبعد أن حلت والدة حافظ ورفعت الخلاف بينهما بترشيح الابن الأكبر لحافظ باسل للرئاسة مستقبلاً، كان بشار خارج الدائرة تماماً حتى وفاة أخيه، ما يؤكد أن وصوله للرئاسة كان من دون أي خلفية سياسية». وكشف أنه بعد تسلم بشار الرئاسة ودرس التململ في لبنان بسبب النفوذ السوري، وقيام رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري بالتشاور مع رئيس شعبة الاستخبارات السورية في لبنان غازي كنعان ورئيس الأركان حكمت الشهابي ووزير الخارجية عبدالحليم خدام عن التدخل الأسدي في لبنان، بدأ بالتخلص منهم للسيطرة على الورقة اللبنانية. وتابع: «أميركا تراجعت أخيراً عن توجيه ضربة عسكرية، للتشاور مع الكونغرس أولاً، على رغم إدراك الرئيس الأميركي أوباما أنه دستورياً لا يحتاج الكونغرس أصلاً، باعتبار العقاب الأميركي توجيه ضربات محددة على القدرات العسكرية الكيماوية فقط». وقال إن إيران مجرد لاعب في المنطقة تستغل الورقة الطائفية باعتبارها أكبر دولة شيعية في المنطقة، تتستر بحرصها على تحرير فلسطين ودعم المقاومة، على رغم أنها حقيقة تريد تغيير موقعها من خلال اتخاذ العراق وسورية ورقة تفاوضية في يدها، ومستعدة للتخلي عن بشار شريطة أن يكون النظام الجديد في سورية غير معاد لها، كما استفادت سابقاً من الورقة العراقية التي تسلمتها هدية من أميركا بعد الغزو ،على رغم الاختلاف الأميركي - الإيراني في العلن. وأضاف أن الثورة الإيرانية التي انطلقت في العام 1979 أقرت بنص دستوري مكتوب (لا يحق لأي إيراني لا ينتمي للمذهب الشيعي ولا يؤمن بولاية الفقية 12 الترشح للانتخابات)، ما يعزز تحالفاتها الحصرية مع مؤيديها من الحوثيين في اليمن، وحزب الوفاق في البحرين وحزب الله في لبنان وعائلة الأسد في سورية. وأكد الدخيل أن مرحلة الأسد انتهت وما يمكن أن يفعله رفع كلفة مغادرته فقط، والمتابع لما جرى أخيراً في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يدرك أن المصالح الإيرانية - الأميركية تحتم تسليم السلاح الكيماوي السوري للأمم المتحدة لتدميره كاملاً. وذكر أن سورية تختزل أسلحتها منذ السبينعات بحجة التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل، وفقدها السلاح الكيماوي الآن يعني تخليها عن التوازن، غير أنها ملزمة بالرضوخ للقرارات الأميركية تفادياً للضربة العسكرية على نمط العراق.