هكذا وبكل سهولة يريد وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف أن يثق العالم بخطة وضعها شخص من المخابرات الروسية، مفترضين تدمير ترسانة حليفها في سورية بشار الأسد. يبدو أنه غير مُلام في أمله هذا، وهو قد نجح بطريقة أو أخرى في إقناع الرئيس أوباما بطلب تأجيل التصويت على الضربة العسكرية ضد سورية. وفي تزامن مقصود مع مفاوضات وزيري خارجية أميركا وروسيا في شأن خطة تسليم سورية لأسلحتها الكيماوية، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب وجّهه إلى الرأي العام الأميركي، يقنعهم فيه بتجنّب التداعيات الإرهابية التي ستأتي بعد ضربة عسكرية أميركية ضد سورية في حال أنها تمت. وعلى رغم وضوح فكرة الخطاب إلا أنها لم تصل الحد الأدنى للتأكد من نوايا روسيا الحقيقية تجاه القضية السورية، إذ إنها هي من يدافع عن بشار وكل ما يجري في سورية من اختراقات دولية ومجازر تُرتكب يومياً بأسلحة، قد لا تكون كيماوية لكنها قاتلة أيضاً. إن التحرّك الديبلوماسي الروسي لمصلحة نظام بشار، يتسبّب بشكل مطرد في إثارة المزيد من الشكوك نحو روسيا التي هي جزء من المشكلة، وليست جزءاً من الحل، بحسب قول السيناتور الجمهوري جون كورنين الذي كان معارضاً لاستخدام القوة العسكرية في سورية. ويذكر أن محرر صفحة الرأي السيد أندرو روزنتال بجريدة نيويورك تايمز الذي نشر خطاب بوتين قال: "أنا لا أتفق مع الكثير من النقاط في خطاب فلاديمير بوتين". فنجاح أميركا في إدارة التفاوض في شكل جيد مع روسيا، وهو مرتبط بقدرتها على تقديم ضمانة دولية بأن الأسلحة الكيماوية ستُسلّم كاملة، بما لا يدع مجالاً للشك لدى دول العالم. أما إذا تبيّن أن نوايا بشار ليست صادقة، وهذا ما لن يطول اكتشافه، فإنه يتحتّم على أميركا أن تقوم بضربة عسكرية ضد سورية، تضمن بها القضاء التام على نظام بشار كاملاً. ليس هناك ما هو خيار بين أن تُسلم سورية أسلحتها بالفعل وبين أن تضرب أميركا نظام بشار بقوة رادعة له وغيره، وسيكون حينها تلاعب بشار لكسب المزيد من الوقت لارتكاب المجازر هو المبرر لتلك العملية العسكرية. ولكي تنجح أميركا في ذلك عليها أن تحصل، كما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم الثلاثاء، على قرار من الأممالمتحدة، له قوة إجبار الرئيس بشار الأسد على الامتثال. ومن هنا، وجدت روسيا نفسها أمام اختبار أصعب من طلب الرئيس أوباما من الكونغرس التصويت على الضربة العسكرية ضد سورية. مما لا شك فيه أن بشار تنفس الصعداء بعدما غاب في الأفق الهجوم العسكري عليه، وظن أن بإمكانه أن يكسب الوقت حينما وافق على تدمير ترسانته الكيماوية التي كلفت سورية، بحسب تقديرات واشنطن بوست، أكثر من 400 مليار دولار في 40 عاماً. لا يكفي استمرار التهديدات الأميركية ضد بشار بل إن استصدار قرار الأممالمتحدة بالصفة التي أوضحها كيري، هو الذي سيضع، على مرأى من العالم، مبادرة روسيا في تدمير الترسانة الكيماوية السورية تحت الاختبار. فلن ينفع الرئيس فلاديمير بوتين استجداؤه السياسي في قوله إن على أميركا والدول الأوروبية السعي إلى تدمير أسلحة بشار الكيماوية، في ذات الوقت الذي يعتبر فيه وزير خارجيته لافروف سعي فرنسا وبريطانيا وأميركا إلى استصدار قرار صارم تصدره الأممالمتحدة ذريعة لشن ضربات ضد بشار. فبينما يطلب العالم بقرار تجاه الحكومة السورية يجبرها على الامتثال بالاتفاق الروسي الأميركي، يحذر لافروف بنسف إمكان انعقاد "جنيف2"! [email protected]