تابع الرئيس الأميركي باراك أوباما أحداث «الثلاثاء الأسود» في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، من إحدى قاعات جامعة شيكاغو الحقوقية حيث كان أستاذاً للقانون الدستوري ونائباً للمدينة في مجلس ولاية ايلينوي، قبل أن يتحول بعد سبع سنوات الى الوجه الذي نقل الولاياتالمتحدة من «مرحلة القوة والتفرد الأميركي» التي فرضتها إدارة سلفه جورج بوش في «الحرب على الإرهاب»، الى حقبة العودة الى الأسس الدستورية والحريات المدنية من دون التساهل في حماية الأمن القومي. لذا تبدو الاستراتيجية الجديدة التي تتبعها الولاياتالمتحدة في مكافحة الإرهاب التغيير الأبرز في الذكرى الثامنة للاعتداءات، بعدما طوت الإدارة الجديدة صفحة «الحرب على الإرهاب» ك»حجر زاوية» للسياسة الخارجية الأميركية واستبدلت التمييز بين من هم «معنا وضدنا» بلغة الحوار والانفتاح على العالم. في عهد أوباما، اكتسبت الذكرى الثامنة للاعتداءات التي أودت بحياة أكثر من 2900 مدني وهزت العمق الأميركي ومفاهيم الحياة اليومية السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشكل دراماتيكي لم يعاصره الأميركيون منذ هجوم بيرل هاربور 1941، مفاهيم مختلفة مع التحول الذي طرأ على الطبقة السياسية الأميركية والتغير في الذهنية والاستراتيجية الدفاعية من مرحلة «الحرب الوقائية» و الانفرادية و «إظهار القوة الأميركية»، الى إعادة التعريف بالإرهاب وعزل المتطرفين والعودة الى القوانين والمواثيق الدولية. ومن مراسم إحياء الذكرى التي دعا فيها أوباما الأميركيين الى «الخدمة العامة» من تنظيف الحدائق الى مساعدة القاصرين والفقراء، تنعكس الصورة المختلفة التي تحاول الإدارة رسمها للاعتداءات، بتحويلها مناسبة لجمع الأميركيين حول غاية بناءة وليس فقط «لمحاربة تنظيم القاعدة وأعداء أميركا» كما جرت العادة في السنوات السبع الماضية. وفي حديث الى «الحياة»، رأى باتريك دوهرتي من معهد «نيو أميركا فاوندايشن» أن إسقاط إدارة الرئيس أوباما عبارات «الحرب على الإرهاب» و «التطرف الإسلامي» وإعلانه منذ الساعات الأولى في البيت الأبيض نيته إغلاق معتقل غوانتانامو ومنع تعذيب المعتقلين، معطيات تضع الذكرى ضمن إطار مختلف، وتعيد الى الولاياتالمتحدة «بعضاً من التعاطف والاحترام الدوليين اللذين حظيت بهما لدى وقوع الاعتداءات» وخسرتهما نتيجة سياسات بوش وحرب العراق وفضائح التعذيب في سجون الاستخبارات السرية وغوانتانامو وأبو غريب. واعتبر ان التمايز في اللهجة الأميركية الجديدة هو حرص واشنطن على تحديد الهدف في ملاحقة المسؤولين عن الاعتداءات، وربط عبارة «الإرهاب» بتنظيم «القاعدة»، وليس في الحديث عن تنظيمات أصولية أخرى مثل «حماس» أو «حزب الله» أو «طالبان»، حتى أن الإدارة الأميركية أبدت استعدادها للحوار مع هذه التنظيمات في حال نبذها العنف وتحولها حركات سياسية. وأشار دوهرتي الى ان واشنطن لم تعد تعتمد «الحرب على الإرهاب كركيزة لسياستها الخارجية»، بل تعمل في مجال الأمن القومي على وضع استراتيجية متكاملة للأمن الأميركي كتلك التي أعقبت الحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة، بشكل تنبثق منه رؤية أميركية لمنظومة أمنية عالمية تجمع بين تطلع واشنطن لمنع الانتشار النووي وتفادي النزاعات الدولية. وفي مفارقة أخرى في نهج محاربة التطرف، تعي الإدارة الأميركية الجديدة ضرورة التعامل مع «جذور» الإرهاب وليس فقط على النطاق الأمني والدفاعي، ومن هنا التركيز على حل النزاع العربي - الإسرائيلي وزيادة المساعدات الاقتصادية لدول مثل باكستان لبناء البنية التحتية ومكافحة البذور الاجتماعية للإرهاب. وتخوض إدارة أوباما، معركة قاسية مع اليمين وأركان فريق بوش في ترسيخ الخطوط العريضة للسياسة الجديدة، في ظل الهجوم المتكرر من ديك تشيني نائب الرئيس السابق على سياسات الإدارة الجديدة واعتبارها «تضعف الأمن القومي الأميركي» وعمل الاستخبارات في ظل القيود الجديدة المفروضة من وزارة العدل الأميركية. إلا أن المناخ العام لعمل الإدارة، يعكس التحول في الرأي العام الأميركي وتأييد 53 في المئة من الأميركيين لإجراءات أوباما بإغلاق غوانتانامو وملاحقة التجاوزات في وكالات الاستخبارات. في الوقت ذاته، تتسم خطوات الإدارة الأميركية بالحذر في التعامل مع ملف الأمن القومي، ذلك أن وقوع أي اعتداء آخر على الولاياتالمتحدة سيكون مكلفاً للرئيس أوباما والحزب الديموقراطي الذي يتولى للمرة الأولى قيادة البلاد منذ العام 2001. ومن هنا أبقى أوباما على توصيات لجنة 11 أيلول، أبرزها تشريعات «باتريوت أكت» التي تطاول بعض الحقوق المدنية، بإباحة التجسس والتنصت والتوقيف التعسفي لأي مشتبه في قضايا الإرهاب. وأشار دوهرتي الى أن إدارة أوباما لا تزال حتى الآن في مرحلة «رد الفعل» وإصلاح الأخطاء التي ارتكبها بوش، وأن تخطي مرحلة «باتريوت أكت» تنتظر بلورة استراتيجية متكاملة للأمن القومي الأميركي تتعاطى مع تحديات القرن ال21 وتذهب أبعد من المخاوف والانقسامات التي أفرزتها الاعتداءات.