الوطن كلمة لها معانٍ عميقة في نفس كل إنسان، ويختلف تفاعله معها من شخص إلى آخر، فهناك من تمر عليه الكلمة بلا اهتمام، وعلى عكسه من تحرك فيه مشاعر فياضة قد لا يستطيع التعبير عنها بالكلام. وربما المغترب أكثر من تهزه، لأن حنينه لوطنه يظل نابضاً في أعماقه مهما طال غيابه عنه ومهما بعدت المسافات، فهو لن ينسى إذ ولد ونشأ في صباه، وإن عاش في بلد آخر في شكل أفضل فلا شيء يعوضه عن وطنه، إذ أهله وخلانه ومن كانت له معهم ذكرياته. وكما أن المشاعر تختلف في حب الوطن من شخص إلى آخر، تختلف أساليب التعبير عن ذلك أيضاً، ومما جاء في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، أنه حين هاجر من مكة إلى المدينة في مشهد من مشاهد الحزن وقف عليه الصلاة والسلام بالحَزْوَرة على مشارف مكة، ليلقي النظرة الأخيرة على أطلال البلد الحبيب، بلد الطفولة والذكريات، يخاطب مكة، ويقول: «أما والله إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إليّ، وأكرمها على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت». فهل هناك تعبير أجمل. ورأينا قريباً مشهداً في عصرنا الحاضر في ختام قمة مجموعة الدول ال20 المنعقدة في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، وأثناء توافد الرؤساء والقادة، لالتقاط بعض الصور التذكارية الجماعية، وضع لكل منهم علم بلاده على الأرض، ليعرف مكانه ويقف عليه، ووقف الجميع في شكل عادي إلا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، انحنى والتقط علم بلاده تركيا من الأرض، ووضعه في جيبه! وهي عادته التي يفعلها في كل مرة في أي اجتماع قمة أو مؤتمر دولي، وفي ذلك إشارة واضحة لاحترامه الشديد لعلم بلده وهو يرمز لها، وصورته وسائل الإعلام، وانتشرت الصورة مع تعليقات مؤيدة لتصرفه. وبمناسبة اليوم الوطني لبلادنا الذي يوافق 17 من ذي القعدة هذا العام، وما يرافقه من احتفالات، يستخدم فيها العلم للتعبير، سواء بحمله أم تعليقه أم وضعه على السيارة، بل هناك من يرقص به! أقترح وأتمنى عدم استخدام علم مكتوب عليه لفظ التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، إكراماً واحتراماً، ويكفي استخدام أي علم أخضر من دون كلام للتعبير، فنحن أولى الناس بإكرام راية فيها اسم الجلالة واسم سيد البشر صلى الله عليه وسلم، فالفرح لا يكون بإهانة الاسم ووضعه في ما لا يليق به. ونعود إلى موضوع الوطنية، فهي ليست مجرد رقص واحتفال وفرح وراحة يوم في إجازة رسمية، بل حب الوطن عمل وعطاء بكل إخلاص وتفانٍ، للنهوض به والمشاركة في تقدمه والمحافظة عليه، مثلما تحافظ على بيتك من حيث النظافة والأمانة وكل شيء يهمك، أما من حيث المال العام، فهو ليس مالاً سائباً، كل يأخذ منه من دون حسيب أو رقيب. أن تحب وطنك يعني ألا تشارك في جرائم الرشوة والواسطة والمحسوبية والفساد بكل صوره وأشكاله واختلاف مسمياته، ولا تتستر على أي أحد يفعلها لأي سبب. ولو كتبت تغريدة في هذا اليوم فسأقول: «حب الوطن يعني أن أكون بصمة تضيف إلى الوطن، لا لمجرد زيادة عدد، وأن أخاف الله فيه سراً وعلناً». [email protected]