جددت حركة «النهضة» الإسلامية الحاكمة في تونس قبولها بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ شهرين. وجاء موقف «النهضة» بعد يومين من الندوة الصحافية التي عقدتها المنظمات الاجتماعية الراعية للحوار الوطني (اتحاد الشغل واتحاد رجال الأعمال وهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان) والتي حمّلت خلالها الترويكا الحاكمة مسؤولية فشل المشاورات. وكان حسين العباسي زعيم اتحاد الشغل قد اعتبر أن «موقف النهضة من خريطة الطريق المقترحة من الرباعي الراعي للحوار الوطني يتسم بالضبابية والغموض ولا يتضمن إرادة واضحة في المضي في الحوار الوطني كما لا يقدم موقف الحركة من خريطة الطريق ولا يشير بصراحة إلى القبول باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة»، وفق قوله. وأكد المنسق العام ل «النهضة» عبدالحميد الجلاصي، في مؤتمر صحافي أمس الاثنين، تمسك حركته بالحوار وبالمشاورات التي يشرف عليها الرباعي الراعي للحوار الوطني، مبيناً أن «النهضة» قدمت تنازلات كثيرة في المشاورات أهمها قبولها بتشكيل حكومة كفاءات محايدة بدل الحكومة التي يرأسها القيادي الإسلامي علي العريض. وطالب عبدالحميد الجلاصي المنظمات الاجتماعية الراعية للحوار بالتزام الحياد تجاه كل الفرقاء السياسيين، مشدداً على أن موقف حركته يتطابق مع موقف «جبهة الإنقاذ» المعارضة. وقال «نتحمل جزءاً من المسؤولية لكننا نرفض أن يتم تحميلنا كامل المسؤولية في الأزمة التي تعيشها البلاد». واعتبر الجلاصي أن البلاد قادرة على أن تتجه نحو انتخابات في غضون أربعة اشهر في حال توصّل الفرقاء السياسيين إلى حل للأزمة الحالية، داعياً كل الفرقاء إلى استئناف الحوار في اقرب وقت لتجنيب البلاد مزيداً من الأزمات السياسية والاقتصادية. وفي السياق نفسه، قدّم وزير الخارجية السابق عضو المكتب التنفيذي في حركة «النهضة» رفيق عبدالسلام تصور حركته للخروج من الأزمة والتي تقوم على «تأمين المصادقة على الدستور باعتباره المنظّم للحياة السياسية والتشريعية والحفاظ على المجلس التأسيسي باعتباره المعبّر عن الإرادة الشعبية»، بالإضافة إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية وطنية مستقلة بعد تأمين المهمات التأسيسية المتمثلة في الدستور والقانون الانتخابي والهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وأضاف عبدالسلام: «يجب تحديد تاريخ واضح للانتخابات وبعد ذلك تشكيل حكومة كفاءات لإنهاء ما تبقى من الفترة الانتقالية». يذكر أن خريطة الطريق التي اقترحتها المنظمات الراعية للحوار الوطني تتضمن «القبول بتشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية مستقلة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات القادمة تحلُّ محلّ الحكومة الحالية التي تتعهد بتقديم استقالتها، وتكون للحكومة الجديدة الصلاحيات الكاملة لتسيير البلاد»، كما تشدد المبادرة على ضرورة التوافق على «شخصية وطنية مستقلة» لتولي رئاسة الحكومة في اجل أقصاه أسبوع من تاريخ انطلاق الحوار والانتهاء من تشكيل حكومة الكفاءات المستقلة في اجل أقصاه أسبوعان. وفي المقابل، أعلنت الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل (اعلى سلطة في الاتحاد)، في بيان أمس، مواصلة التنسيق في نطاق الرباعي وإبقاء اجتماعات الهيئة الإدارية مفتوحة لمتابعة المستجدّات واتّخاذ القرارات المناسبة. وأعلنت الهيئة تنظيم «مسيرة وطنية سلمية كبرى للتعبير عن إصرار الاتحاد على تفعيل مبادرة الرباعي وتفعيل كل الأشكال الاحتجاجية المدنية والسلمية من قبل كلّ القطاعات والمحافظات». ووفق مراقبين فإن تصريحات قيادات «النهضة» أمس لم تختلف جوهرياً عن البيان الذي أصدرته الحركة في 19 أيلول (سبتمبر) والذي تضمن قبولاً بمبادرة المنظمات الراعية للحوار. ورأى هؤلاء أن «النهضة» أرادت الآن توضيح موقفها والتأكيد أنه لا يختلف عن موقف «جبهة الإنقاذ» المعارضة وبذلك تريد أن تقول إن هناك أطرافاً تريد تحميلها مسؤولية فشل المشاورات. من جهة أخرى دعت حركة «نداء تونس» المعارضة إلى تضمين مبادرة اتحاد الشغل تغييراً في منصب رئيس الجمهورية باعتباره «جزءاً من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد»، وهو ما يعني أن المشاورات ستزداد تعقيداً في الفترة المقبلة إذا ما انضاف إليها بند جديد وهو منصب رئيس الجمهورية. ويتوقع مراقبون أن يكون الباجي قائد السبسي رئيس حركة «نداء تونس» والمعارض الأبرز ل «النهضة» معنياً بمنصب رئيس الجمهورية في ما تبقى من الفترة الانتقالية.