يعتبر فيلم ستيفن سبيلبرغ «اي تي» واحداً من أشهر الأفلام وأنجحها في تاريخ الفن السابع عموماً وفي تاريخ سينما الخيال العلمي. بل ربما يصح أيضاً أن نقول إنه الفيلم الأكثر انسانية في التاريخ لأنه يتحدث تحديداً عن التسامح والمحبة وقبول الآخر، على عكس الغالبية العظمى من الأفلام التي تجهد دائماً لتصوير أي آت من الفضاء الخارجي، عدواً للانسان معتدياً عليه. ونعرف أن سبيلبرغ نال على فيلمه هذا، عدداً كبيراً من الجوائر يصرّ هو دائماً على أن أهمها بالنسبة اليه وسام السلام الأميركي الذي مُنحه لانسانية فيلمه لا لتميزه الفني والتقني. والشائع عادة، وبحسب عناوين الفيلم، هو أن سبيلبرغ اقتبس السيناريو بنفسه من قصة كتبها مع لينا ماتيسن. «هذا غير صحيح»... كان السينمائي الهندي الكبير الراحل ساتياجيت راي يقول مؤكداً بالوثائق أن الفيلم مأخوذ من سيناريو عنوانه «الغريب» كان كتبه بنفسه انطلاقاً من قصة قصيرة من كتابته كان نشرها في سنوات الأربعين بعنوان «صديق بانكو بابو» في مجلة «صانديش». أما كيف وصلت القصة الى سبيلبرغ، فأمر بسيط: أواسط سنوات الستين، وبعد أن بدأ اسم ساتياجيت راي يلمع في أوروبا والولايات المتحدة واثر عرض أول أفلامه والنجاحات التي حققتها، طلبت شركة «يونيفرسال» من هذا الفنان الهندي أن يحقق مشروعاً من انتاجها. على الفور استدار راي الى قصته القصيرة محولاً اياها الى سيناريو ارسله الى الشركة، ويتمحور حول كائن آت من العالم الخارجي (كائن فضائي) يصل الى قرية هندية صغيرة تدعى هابا. وهناك يكتشف طفلان صغيران يعيشان أزمات عائلية، وجود هذا الكائن، فيسعيان الى اخفائه عن عيون أهل القرية الذين أرادوا القبض عليه. وهكذا تنشأ بين الكائن والطفلين حكاية ود وصداقة، تتعدى القوميات والأجناس، وتتواصل حتى اللحظة التي يتمكن فيها الطفلان من ايصال الكائن الى مكان تمكن فيه قومه من استعادته منه! ترى هل فعلنا، في السطور السابقة شيئاً سوى حكاية قصة فيلم سبيلبرغ «اي تي» نفسه؟ من المؤكد أن الذين شاهدوا الفيلم، وهم ربع البشرية على أقل تقدير، يجدون في هذه الخلاصة حكاية الفيلم الأميركي الشهير. ومع هذا بتنا نعرف منذ سنوات أن هذه ما هي سوى الخلاصة التي وضعها ساتياجيت راي لفيلم أميركي لم يحقق أبداً، لكن السيناريو وملخصه كانا موجودين لدى شركة «يونيفرسال» التي ستكون هي، بعد سنوات، من ينتج فيلم سبيلبرغ، هذا الفيلم الذي سيروج هذا الأخير منذ ذلك الحين انه إنما بناه على أساس أفكار واتته حين كان طفلاً ويعيش أزمة اثر طلاق والديه! اليوم، بعد كل هذه السنوات... من تصدق؟ السينمائي الأميركي الذي أغفل اسم ساتياجيت راي تماماً، وقال دائماً إن لا علم لديه بوجود هذا السيناريو أو أي سيناريو للمعلم الهندي لدى «يونيفرسال» مؤكداً أن «اي تي» ينطلق من تجربة شخصية، أو ساتياجيت راي، معلم السينما الهندية الكبير، الذي قدم على سبيل البرهان القاطع، النص المنشور في الأربعينات، ونص السيناريو الموجود لدى «يونيفرسال» وأخيراً مجموعة الرسوم التي رسمها بنفسه (فهو كان فناناً تشكيلياً وموسيقياً وكاتباً أيضاً)، وأرسلها برفقة السيناريو الى الشركة الأميركية والتي لا شك أن أي مراقب منصف، إن تأمل الرسوم سوف يلفت نظره بسرعة التشابه، بل التطابق بين رأسي المخلوقين الآتيين من الفضاء: مخلوق راي من ناحية والمخلوق الذي تصوره فيلم سبيلبرغ من ناحية أخرى.