طوت ذكرى وجبة برنامج التغذية لمدارس التعليم العام في السعودية عامها ال32، كاشفة عن علاقة وجدانية خاصة تربط تلاميذ جيل السبعينات والثمانينات الميلادية بالوجبة المجانية المميزة. ولم تستمر الوجبة التي انطلقت أيام الطفرة السعودية الأولى في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز طويلا، إذ بدأت في عام 1976، وتوقفت في عام 1981، وكانت حكراً على مدارس البنين من دون مدارس البنات التابعة للرئاسة العام لتعليم البنات حينها، إلا أنها تركت أثراً إيجابياً لافتاً في ذهن الأسرة السعودية وباتت حكاية لا تمل روايتها لوصف زمن جميل مضى. تميز وجبة برنامج التغذية المدرسية لا يقتصر على مجانية الوجبة وتوزيعها على الفصول وتجنيب الطلاب عناء الانتظار في طوابير المقصف الطويلة فحسب، بل إن تنوع مكونات الوجبة وجودتها العالية كانت سمة بارزة، ولا سيما أنها كانت تعد بواسطة شركات سويسرية وفرنسية وإيطالية رائدة في صناعة الأطعمة. وتتكون الوجبة من حليب معقم، وعصير برتقال، وأجبان سويسرية أو فرنسية، وعيش، أو حلة اللحم البقري، وحلة الدجاج «الرافيولي» مع صلصة الطماطم، فضلاً عن السلطة المكسيكية وحلاوة شوكولاه والكيك والفول السوداني. وكانت تقدم هذه الأصناف معلبة، وتوزع في كرتون ملون ومربع الشكل بطول يقارب ال 15 سنتيمتر، إذ تختلف ألوان الكرتون باختلاف محتوياته في أيام الأسبوع الخمسة. ولعل هذا التنوع كان من أسباب الرضا على الوجبة التي يصفها أكاديمي التربية المشارك في جامعة الملك سعود الدكتور محمد النذير الوجبة في تغريدة له على تويتر بأنها «متكاملة ورائعة». ولم تكن تجربة الوجبة المجانية المعلبة المبادرة الوحيدة لوزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً) لتحسين مستوى التغذية لدى الطلاب بل صاحبها تجربة البوفيه المفتوح للإفطار والغداء التي طبقت بشكل تجريبي محدود في ثانوية الصديق في الرياض بحسب ما يرويها ل«الحياة» التربوي المخضرم أحمد الغريبي، إلا أن التجربة توقفت بعد عام واحد. وتزامن برنامج التغذية للمدارس مع برنامج توزيع الملابس الرياضية الذي كان يوزع أطقم الملابس من القمصان والمعاطف والسراويل والأحذية بألوان متعددة، كان أشهرها الطقم الأخضر بالأبيض. وإن تعددت الراويات أسباب توقف وجبة برنامج التغذية للمدارس قبل أكثر من ثلاثة عقود، إلا أنها ذكراها الاستثنائية بقيت شاهدة على مشروع ملهمة أجادت وزارة المعارف إدارته. وفي كل عام دراسي تبقى وجبة إفطار الطلاب والطالبات في المدارس مادة حيوية للنقاش عند العائلات وبين المعلمين وحتى لدى صناع القرار في وزارة التربية والتعليم، لأهمية توقيت الوجبة من الناحية الطبية على صحة الإنسان، خصوصاً في المراحل المبكرة من عمره في مختلف المراحل الدراسية. وإذ يعتاد كثير من الوالدين الجدل مع أبنائهم وبناتهم في ضرورة اصطحاب أكل صحي من المنزل قبل الذهاب إلى المدرسة، فإن تاريخ ما يقدم في مقاصف المدارس من وجبات يحكي جدلاً آخراً في أروقة وزارة التربية والتعليم للإجابة عن سؤال يتعلق بالطريقة المثالية لتقديم وجبة إفطار مناسبة للمدارس. حتى في المرحلة التي أعقبت توقف وجبة برنامج التغذية المدرسية، وبات تقرير محتويات المقاصف المدرسية بيد مديري المدارس ومن خلفها إدارات التعليم، بقيت وجبة الإفطار موضوعاً للجدل بين متذمر من واقع ومتأمل لمستوى أفضل. وهو جدل لم ينهه تعاقد وزارة التربية والتعليم في السنوات الأخيرة مع شركة الخليج للتموين التي تقدم ساندويتشات «كروسان»، وفطائر مغلفة مع عصير. وفي انتظار إنشاء شركة تغذية مدرسية نموذجية، يشرف عليها مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم (تطوير) كما تقول وزارة التربية، يبقى الأمل عند الكثير من الأسر السعودية أن تعيد الوزارة استنساخ نجاح وجبة برنامج التغذية المدرسية الذي حفر ختم نجاحه في الذهن أكثر من ثلاثة عقود.