يهجر الأطباء الهنغاريون بلدهم هرباً من الرواتب المنخفضة والفساد وظروف العمل السيئة، ما يؤدي إلى إضعاف نظام الصحة المتعثر أصلاً، والذي يعاني من عواقب الأزمة الاقتصادية. فالطبيب الشاب في هنغاريا يجني حوالى 140 ألف فورنت (420 يورو) شهرياً، أي أقل بخمس مرات من راتب طبيب في ألمانيا أو بريطانيا أو البلدان الاسكندينافية، وفق إيميز باتيزان، مديرة وكالة «أي - تيم ميديكال ريكروتمينت». وتوضح باتيزان أن هذه البلدان هي الوجهات المفضلة لدى الأطباء الهنغاريين الذين يختارون الهجرة، مؤكدة أنهم «مطلوبون في الخارج بفضل تدريبهم الجيد وتفانيهم في العمل». ووفق منظمة التعاون والتنمية في أوروبا، فإن الوضع الصحي لسكان هنغاريا هو من الأسوأ في البلدان المتطورة، مع العلم أن هنغاريا لا تنفق المال على نظامها الصحي بمقدار البلدان الصناعية الأخرى. ودفعت الرواتب المنخفضة الأطباء إلى القبول بالرشوة التي باتت واقع حال يلحق الضرر بالأجيال الشابة. ويقول ايستفان ايغير (57 سنة)، وهو رئيس «رابطة الأطباء الهنغاريين»، إن «النظام مليء بالرشى، والطبيب المتمرس لا يدع طبيباً شاباً يجري الجراحات لأنه ليس مستعداً لخسارة الأموال التي يتلقاها من المرضى». ويجد الأطباء المتخرجون حديثاً أنفسهم في مستشفيات «طاقمها متعب وغير مندفع وظروفها التقنية في حال يرثى لها، والطموح المهني فيها صعب جداً»، على ما يضيف ايغير. ولا أحد يعرف بالتحديد عدد الأطباء الذين غادروا البلاد. لكن، جرى التقدم ب1600 شهادة للعمل في الخارج عام 2012، في مقابل 1400 شهادة عام 2011، وفق بيانات صندوق الصحة الوطني. وتقدم بثلثي هذه الطلبات تقريباً أطباء دون الأربعين من العمر. ويقول ايغير: «منذ انضمامنا إلى الاتحاد الأوروبي قبل 9 سنوات، غادر آلاف الأطباء المختصين هنغاريا. ويقدر عددهم بحوالى 5 آلاف شخص». وازدادت هجرة الأطباء مع الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد عام 2008، وفق ايغير. فمنذ عام 2008، يتخطى عدد الأطباء الذين يهاجرون البلاد عدد الخريجين الجدد. يتابع دانييل جيرو (27 سنة) تدريبه في الجراحة في لوزان (سويسرا)، بعدما درس في بودابست وتابع دورات تدريبية في فرنسا والولايات المتحدة وسويسرا. ويقول: «الجو هنا محفز، والعمل مع زملائي تجربة جيدة جداً»، مشيراً إلى أنه يعمل في لوزان بين 60 و90 ساعة أسبوعياً. ويشرح أنه يحب العمل هناك نظراً إلى الحالات المثيرة للاهتمام والعلاجات الحديثة والانفتاح الذهني. ويرفض بعض الأطباء مغادرة بلدهم، وإن كانوا اختبروا الراحة في الخارج. فبعد دورة تدريبية في السويد، قرر بيلا كوفيس (32 سنة)، وهو مختص في المسالك البولية، البقاء في بودابست مع زوجته التي تمارس الطب أيضاً. ويقول: «من الصعب جداً العودة بعد السفر، لكننا لا نريد العيش في الخارج إلى الأبد».