في برنامج «ثقافي» يومي بدأت قناة «البغدادية» تقديمه ضمن برامج رمضان هناك كسر لأكثر من قيمة وتجاوز لغير اعتبار... وبين القيم التي يكسرها هذا البرنامج، ومقدمه علي الخالدي، هي اللياقة والآداب في لغة مخاطبة الآخر، وبخاصة حين يكون هذا الآخر ضيفاً. أما الاعتبارات التي يتجاوزها فمنها ما هو فني ومنها ما هو موضوعي، وفي مقدمتها: اهانة الشخصية المستضافة بصرف النظر عن مكانتها الاجتماعية والفنية... وإهانة المشاهد، فضلاً عن إهانة مقدم البرنامج نفسه - كتحصيل حاصل. البرنامج الذي يأخذ صيغة «مسلسل يومي» يظهر على الشاشة بعنوان مكتوب بالعامية العراقية: «خل ن بوكا» - وهو عنوان غير مفهوم القصد تحديداً: فهل يعني «دعنا نسرقه»، أم أن الإشارة الى «سجن بوكا» الأميركي؟ - بينما يعلن مقدم البرنامج لضيوفه أنهم «في قبضة العدالة» ملوحاً لهم ب «الكلبشات»، وجاعلاً من الأستوديو «فضاء» أقرب ما يكون الى «زنزانة التحقيق» في السجون والمعتقلات. يبدأ مقدم البرنامج (كثير الإعلان عن اسمه، وبنرجسية عالية) بعد الترحيب الموجز جداً بضيفه (وبين ضيوفه الذين استدرجهم المخرج فنانون كبار، جميعهم من العراقيين الذين اضطرتهم الظروف الأمنية السيئة الى الإقامة خارج العراق)... يبدأ بكيل الاتهامات لهم بلغة لا تتوفر على الحدّ الأدنى من اللياقة، بل تكشف عن رغبة الاستهانة بالشخصية المستضافة واهانتها أمام جمهورها، إذ يخاطب ضيفه بأكثر الألفاظ عدوانية: «أنت فاشل». «أنت انحدرت بالفن». «أنت تركت بلدك وجئت الى هنا من أجل ليرات معدودات». «أنت مزيّف»، وسواها من التعابير المماثلة... صفات لا يقدم عليها دليلاً يذكر، يلقيها بوجه ضيفه مصحوبة بإشارات الاستهانة بهذا الضيف من يده، من دون أن يتيح لهذا الضيف حق الرد. ليصل بضيفه الى حالة الخروج على اللياقة - وهو ما يبدو أنه يسعى اليه - فيرد عليه بالتوعد أولاً، ثم برشّه بكأس الماء، والإهانة بالكلمات، ثم بقلب الطاولة عليه أو حمل الكرسي لضربه. وهنا يبدو مقدم البرنامج (وهو فتى مراهق تلفزيونياً) وكأنه حقق غايته وبلغ هدفه، فيبدأ يدور في الاستوديو، والضيف الذي فقد السيطرة على أعصابه يلاحقه ملوحاً بيديه، أو بالكرسي، وقد يضطر لمغادرة الأستوديو مكرراً هتافه بوجه ضيفه: أنت فاشل. ويبقى «الضيف» محاصراً ومعه «مساعدة» (هبة نبيل) مقدم البرنامج (التي يقدمها في بداية كل حلقة على أنها المحامية). وهي كما تبدو، من مقدار مساهمتها في الحلقة، أقرب الى البلاهة والجمود منها الى الذكاء والفاعلية حركة وكلاماً... فضلاً عما تتعرض له من إهانات من «زميلها» مقدم البرنامج معتمداً في ذلك أكثر الأساليب استهجاناً. وفي النهاية، بعد أن يكون «الفنان الضيف» قد تلقى من الإهانات ذلك الكم الكبير كله، مما قد لا يكون قد سمع شيئاً منه عبر مسار حياته الفنية... يعلن مقدم البرنامج و «المساعدة البلهاء» لضيفهما انهما قاداه الى مقلب، معلناً له في الدقائق الأخيرة و «معترفاً»: انه فنان كبير، وانه موضع احترام الجميع... ثم يطلب منه رأيه بما حصل؟! إن السؤال هنا هو عن الغاية والهدف من مثل هذا البرنامج وقد قدَّم على هذا النحو السيئ فنانين بينهم أسماء كبيرة من الغناء والمسرح (مثل صلاح عبدالغفور ومحسن العزاوي وهناء محمد): فهل أراد مقدم البرنامج (وقد تكون القناة ذاتها أرادت لسبب أو لآخر) إسقاط هذه الأسماء أمام جمهورها على هذا النحو؟ أم أن صيغة التشكيك بوطنيتهم (لكونهم اضطروا لمغادرة العراق والعمل على الموضوع العراقي من خارج العراق) جعلت «صيغة التخوين» هذه تتردد في كل حلقة من البرنامج، ويشترك فيها الفنانون الضيوف على حد سواء؟ ثم، ما مغزى حمل مقدم البرنامج «سلاحاً رمزياً» وهو يقدم ضيوفه، ويدير الاتهام (لا الحوار) ملوحاً لهم ب «الكلبشة»؟! انه برنامج أقل ما يقال فيه انه تخطى حدود اللياقة، وعمد الى تفتيت رموز فنية عراقية واسقاطها... كما انه استهان بعقل الجمهور المشاهد وبذوقه.