كتب صحافي لامع، في موقع الكتروني، عن اعلامي تلفزيوني في مرتبة «النجوم» منتقداً إياه بهدوء وموضوعية. ولما لم يرق له المقال، اتصل بأحد مالكي الموقع فسارع الى سحب المقال من الموقع نزولاً عند رغبة النجم.كتبت صحافية شابة مقالة في مجلة أسبوعية عن «نجمة» تلفزيونية مبدية رأيها بإطلالتها، وإذ لم تعجبها المقالة بادرت الى الاتصال بأحد السياسيين الذين يساهمون في تمويل المجلة وما كان منه إلا أن اتصل برئيس التحرير معترضاً، ولم يتلكأ رئيس التحرير في تأنيب الصحافية التي لم ينتبه الى مضمون مقالتها. قد يكون هذان الخبران عاديين جداً، وقد لا يستهجنهما أحد من أهل الإعلام أو السياسة ومن القراء أيضاً. وقد حصلت أحداث اعلامية من هذا القبيل أشدّ قسوة ووقع لها ضحايا، أبرياء وغير أبرياء. إلا أن هذين الخبرين وما يماثلهما، ينمّان عن «حالة» باتت رائجة جداً مع صعود الإعلام التلفزيوني الذي أصبح بمثابة ساحة «مستباحة». أتذكر ما كتبه عالم الاجتماع الفرنسي جان بورديو (صاحب كتاب «عن التلفزيون») في شأن التواطؤ بين الإعلاميين التلفزيونيين ورجال السياسة. وقصد بهؤلاء الإعلاميين الأشخاص الذين أصبحوا «نجوماً» أشد تألقاً في أحيان من السياسيين أنفسهم. وعلاقة «التواطؤ» هذه سمحت للإعلاميين والسياسيين بأن يتبادلوا المصالح: هؤلاء يسعون الى تلميع صور أولئك إعلامياً وشعبياً، وأولئك يوفّرون لهؤلاء «العون» المالي والحماية... وإن كان الإعلاميون يظنون أنهم يستغلون السياسيين عبر لعبة التواطؤ هذه، فالسياسيون هم على يقين بأنهم يتمكنون عبر المال الإعلامي من السيطرة على هؤلاء والإفادة منهم. فالإعلام التلفزيوني اليوم بات يسيطر على سائر الحقول الإعلامية الأخرى، ويملك قدرة سحرية على التأثير في الجماهير والرأي العام. لكن الإعلاميين «النجوم» عرفوا كيف يضاعفون استفادتهم من علاقة «التواطؤ» هذه مع السياسيين. فهم، علاوة على «الدعم» المالي الذي يحصلون عليه عرفوا كيف يكتسبون من السياسيين سلطة ليست سياسية بالضرورة، بل إعلامية، أجل إعلامية. فهؤلاء الإعلاميون «النجوم» لم يصنعوا سلطتهم من مواجهتهم لأهل السياسة ونقدهم إياهم أو معارضتهم علانية، بل صنعوها من «فتات» سلطة هؤلاء أو ما تركوا لهم من فتات سقط عن موائدهم. وكم بدت اللقاءات في أحيان كثيرة بين الإعلاميين هؤلاء والسياسيين لقاءات «ترويجية» حتى وإن تصنّع الإعلاميون أداء أدوار المعترضين أو المحتجين... لعل أخطر ما يمكن أن يبلغه الإعلام التلفزيوني هو أن يصبح «سلطة» يمارسها الإعلاميون أنفسهم على جمهورهم أولاً ثم على أهل الصحافة والثقافة وسواهم. وليس بمستغرب أن يصبح الإعلاميون الذين في مرتبة «النجوم» أهل سلطة يبحثون بدورهم عن إعلاميين آخرين يلمّعون صورهم...