«هجمة استعلامية» هكذا يسمي الإسرائيليون الحملة الدولية التي أعدتها وزارة الخارجية بإشراف الوزير افيغدور ليبرمان وفيها تسعى الى تجنيد المجتمع الدولي لدعم موقفها تجاه الملفين الإيراني والفلسطيني ومسيرة السلام المجمدة في الشرق الاوسط وكل ما تعتبره خطراً استراتيجياً على أمنها.فبمشاركة خبراء ومستشارين رسمت وزارة الخارجية استراتيجية تعاملها مع كل ملف على حدى لتضع على رأس أولوياتها ضمان الدعم الأميركي. وفي موازاة إعداد تقرير يدعو القيادة الإسرائيلية للعمل على اقناع واشنطن بفرض شروط على دمشق في مقابل اشراكها في العملية السلمية، وأبرز هذه الشروط قطع علاقتها مع إيران و «حزب الله» والتأثير على حركة «حماس» بما يخدم «المصالح الإسرائيلية»، تشمل خطة ليبرمان سلسلة محاضرات ومقابلات يجريها وزراء ومستشارون وخبراء في واشنطن خلال الشهر الجاري بهدف الضغط على الولاياتالمتحدة لدفع الملف الإيراني الى الواجهة مجدداً ثم اقناعها بموقفها تجاه القضية الفلسطينية والبناء في المستوطنات. واقترح ليبرمان ان يمثل إسرائيل الى جانب الخبراء والمستشارين أربعة وزراء وهم دان مريدو وموشيه يعلون ويوسي بيليد وبيني بيغن إضافة الى نائب وزير الخارجية، داني ايلون. الحملة ستنطلق قبيل انعقاد دورة الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك والمتوقع ان يشارك فيها نتنياهو وليبرمان. وبحسب ما قال مسؤول سياسي فإن إسرائيل تنوي خلال حملتها هذه تأليب المجتمع الأميركي لصالحها. قادة الحملة سيتنقلون بين المدن الأميركية، واشنطنونيويورك وبوسطن وشيكاغو وهيوستون ولوس انجليس وسان فرنسيسكو بين الثامن عشر من الشهر الجاري والعاشر من تشرين الأول (اكتوبر)، كل ممثل عن إسرائيل في هذه الحملة سيأخذ على عاتقه عدداً من المدن التي سينقل اليها السياسة الإسرائيلية وفيها سيلتقي شخصيات سياسية مرموقة بينها اعضاء في الكونغرس ورؤساء بلديات واعلاميين بارزين، وسيلقي محاضرات أمام مجموعات سكانية في محاولة لإقناعها بالمواقف الإسرائيلية. ويأتي اختيار تكثيف الحملة أولاً في واشنطن لقناعة الإسرائيليين بأن عدم التفاهم بين حكومة نتنياهو وإدارة باراك اوباما نابع من فشل سياسة نقل الموقف الإسرائيلي أمام المجتمع الدولي وعدم العمل بشكل منظم ومدروس، ومن جهة اخرى ترغب إسرائيل في تكثيف حملتها مع اقتراب الموعد الذي سيتخذ فيه اوباما قراره حول المحادثات مع إيران وتسارع الوقت أمام المجتمع الدولي في عدم اتخاذ قرارات حاسمة في مقاطعة إيران وفي هذا الجانب تعد إسرائيل لحملة مركزة ومدروسة. وحسب أحد المشرفين على هذه الحملة فإن التركيز على الولاياتالمتحدة أولاً وليس على اوروبا يأتي لكون اللقاءات والمؤتمرات السياسة المهمة في هذا الشهر ستعقد فيها، فيما اوروبا ستعمل وفق الرياح التي ستهب من واشنطن في اعقاب هذه الاجتماعات. الخطر الإيراني ويهودية الدولة العبرية في الحملة التي سيروج لها الوزراء والخبراء يحتل الخطر النووي الإيراني وضرورة اتخاذ اجراءات حاسمة وفرض عقوبات صارمة على إيران وفق ما سبق وعرض ليبرمان ونتنياهو، حيزاً كبيراً. وبرأي الإسرائيليين فإن اقتراحات فرض مجلس الأمن عقوبات اضافية مشددة على إيران ستواجه معارضة تؤدي الى افشالها وعليه ستكثف إسرائيل جهودها لفرض عقوبات تجاه إيران. أما في جانب العملية السلمية في المنطقة فسيوضح ممثلو إسرائيل في هذه الحملة رغبة دولتهم في التقدم نحو سلام مع الفلسطينيين وفق الشروط التي تفرضها إسرائيل وفي أساسها الاعتراف بالدولة العبرية كدولة قومية للشعب اليهودي وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح يضمن المجتمع الدولي وأميركا عدم مسها بأمن إسرائيل. وسيسعى الإسرائيليون الى اقناع الجهات المستهدفة بالحملة بضرورة ضم الدول العربية المعتدلة للعملية السلمية في الشرق الاوسط. إيران و «حزب الله» خطر مشترك على إسرائيل وستواصل إسرائيل حملتها الدولية لتجنيد مختلف الدول الى جانب موقفها مسنودة بتقارير استخبارية وامنية. وتحت بند «المخاطر المحدقة بإسرائيل» تطرق واحد من التقارير التي تروج لها إسرائيل في هذه الحملة الى خطر مواصلة إيران تعزيز مكانتها السياسية والاستراتيجية وإبعاد ذلك على «حزب الله». وتزود إسرائيل حملتها بتصريحات اطلقها مسؤولون إيرانيون ومن «حزب الله» وفيها يؤكدون الترابط والعلاقة القوية بين الطرفين ورغبة إيران في مواصلة تقديم المساعدة ل «حزب الله» في لبنان و «حماس» في غزة، وبرأي الإسرائيليين فإن الجهتين تشكلان بؤرتين خطيرتين تتمكن إيران من طريقهما من تطوير اهدافها الاستراتيحية. وتعمل إسرائيل خلال حملتها على اظهار حقيقة ان عدم فرض عقوبات صارمة سيتيح لإيران ليس فقط صناعة قنبلة نووية انما تعزيز مكانتها الاستراتيجية، وبرأيها فإن إيران ستتمكن بواسطة «حزب الله» و «حماس» من مواصلة تهديد التجمعات السكانية في الجبهة الداخلية الإسرائيلية من الشمال عبر لبنان ومن الجنوب عبر غزة الى جانب توسيع نفوذها في العالم العربي والإسلامي والنيل من عملية المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وتنفيذ النشاطات «التآمرية» في الدول العربية المناصرة للغرب وفي مقدمها مصر، على حد قول الإسرائيليين. وستروج إسرائيل من خلال الدفاع عن موقفها لتصريحات أطلقها علي اكبر ولايتي، مستشار المرشد في إيران علي خامنئي للشؤون الدولية، وأكد فيها ان إيران تقدم ل «حزب الله» و «حماس» مساعدة شاملة. كما ستحرض على «حزب الله» مستغلة كتابات الشيخ نعيم القاسم، نائب الامين العام للحزب، التي أكد فيها الولاء لإيران. وتقتبس إسرائيل في التقارير التي أعدت عشية انطلاق الحملة مقتطفات من تصريحات قاسم قال فيها «ان الزعيم علي خامنئي يعتبر المصدر الذي تستمد منه المنظمة شرعيتها والذي تتلقى منه التوجيه الشرعي في كل كبيرة وصغيرة وفي كل موضوع مبدئي، بما في ذلك، النشاطات ضد إسرائيل». وجاء في التقرير الإسرائيلي: «لقد اوضح الشيخ نعيم قاسم ان «حزب الله» يشكل «حزباً دينياً - سياسياً» ذا طابع شيعي، ويتوجب عليه الحصول على الشرعية الدينية والسياسية من قبل القيادة التي تملك الصلاحيات لمنح «حزب الله» مثل هذه الشرعية» ويضيف التقرير: «وفي معرض مقابلة اجرتها صحيفة «نهار الشباب» مع قاسم عرض الأخير نموذجاً يتعلق بمعاني التوجيهات الشرعية التي يجب على «حزب الله» تلقيها من علي خامنئي: إذا كان خامنئي سيفتي مثلاً بمقاتلة إسرائيل فذلك واجب شرعي، وما ينطوي عليه ذلك من دلالات هو أن القتيل نتيجةً للقتال ضد إسرائيل سيصبح شهيداً، وفقاً لإدراكنا». ولكن لو حدَّد الزعيم خامنئي أنه ممنوع المحاربة «فسيذهب ذلك القتيل إلى الجحيم، إذ إنه لم يكن مسموحاً له الذهاب للمشاركة في هذه الحرب»، وذلك وفق ما نقله التقرير الإسرائيلي عن الصحيفة اللبنانية. قوة ردع متواصلة هذه التصريحات بالنسبة الى إسرائيل تنطوي على دلالات تتمثل في أن تعليمات حزب الله السياسية تأتي من إيران على رغم أن «حزب الله» ليس منظمة إرهابية فحسب وإنما أيضاً حزباً له تمثيل في البرلمان اللبناني يسعى إلى الحصول على حق النقض في القرارات التي تتخذها الحكومة اللبنانية، بحسب التقرير الإسرائيلي الذي اضاف في سياق التحريض على علاقة إيران و «حزب الله» ان حديث قاسم يبين ان «حزب الله» يحصل على الإذن من القيادة الإيرانية بكل ما يتعلق في الشؤون المبدئية من ضمنها شن الحروب وإطلاق الصواريخ وتنفيذ العمليات الانتحارية. وفي ظل تصعيد ما تعتبره إسرائيل التهديدات المحدقة بها في المنطقة وضعت وزارة الخارجية ضمن حملتها الدولية ما اعتبرته خطة استراتيجية سياسية تستند الى ركيزتين، الاولى تضمن قوة ردع حقيقية ومتواصلة، والثانية تضمن تنسيقاً دولياً وتسويات تعود بالفائدة على إسرائيل وتدعم سياستها. وفي سياق طرحها الملف الإيراني ترى إسرائيل ان علاقة إيران بالمنظمات «الإرهابية» في لبنان وغزة والضفة والعراق وغيرها، على حد تعبير معدي تقرير وزارة الخارجية، تعتبر مصدراً آخر للتهديد يتطلب الى جانب الرد الامني رداً سياسياً يشمل بلورة معسكر عربي براغماتي ذي مصالح مشتركة مع إسرائيل. ونجاح جهود أميركا لإقرار الوضع في العراق، ونافذة الفرص القائمة لاتفاق سلام مع سورية وتسوية مع المعسكر البراغماتي الفلسطيني. وبرأي الإسرائيليين فإن اشتراك إسرائيل ومصر وعدد من الدول العربية اشتراكاً جزئياً في المصالح ليس ظاهرة جديدة إذ سبق وعبّر مؤتمر مدريد ومسيرتا اوسلو وانابوليس بعده عن تأييد هذه الدول للمسيرة السياسية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وسورية.